في الصباح الباكر، انزعاج شديد واضطراب عظيم اجتاح البلاد بأسرها, من هول الكارثة،  وجاءت الشرطة ومعها جهات أخرى، وتجمهرت العامة.  ساد جو من الصمت الرهيب. أعقبه ترقب، وهمهمات، ثم ارتباك و ضوضاء، وعربات تجيء وأخرى تذهب. من يصدق و من يتخيل؟!  فقد اختفي الملك.....!

كيف اختفي، و ما سر اختفائه؟ ..... لا أحد يعلم ؟

من يستطيع أن يسرق تمثال الملك الضخم من وسط العاصمة؟  سواء أكان ليلا أم نهارا؟ ربما يكون في الأمر أمر.

يدور رجال الشرطة هنا و هناك كخلية نحل، و الخبراء والمتخصصون والمستشارون، يتشاورون فيما بينهم, بينما كان خبير الآثار يتمتم بكلمات غير مفهومة،  وشرطي يضحك ضحكات هيستيرية .... كيف... والناس في المنطقة كالنمل ليل نهار؟

وضعت استراتيجيات عديدة للتوصل إلى سر اختفاء الملك. قد يكون سرق بالتخطيط من الخارج، فالكثير من آثارنا  خارج مصر موزعة بين أرجاء العالم. ولكن كيف يسرق؟ فلابد لمن سرق الملك أن يكسر قاعدته الضخمة،  علاوة على ثقله، و أي السفن تلك  التي تحمله؟ و كيف للطائرات أن ترفعه؟ فلا يمكن أن يعبر المجال الجوي المصري.

و على سبيل الحرص أعطيت الإشارات لجميع الجهات المعنية بالحدث. ولكن الفنيين ينفون احتمال سرقته مالم يكسر أسفله، فملابسات الواقعة تدل على أنه تحرك من مكانه دون عناء. 

تواصل فرق البحث عملها، وتقوم بتمشيط جميع الأماكن. طُرحت بعض الحلول لهذه المشكلة، ومنها: أن لعنة الفراعنة ربما تكون قد حلت عليها. ورفضت النيابة التصديق على شيء غير علمي. و كانت كل المحاولات دون جدوي. و دق جرس الهاتف لسعادة وكيل النيابة و أخذ يتحدث مع المتصل لوقت، ثم أشعل سيجارة وكانت الأنفاس تخرج قوية عميقه بعد انحباس. و أسرعت النيابة في جمع الشهود لسؤالهم.

النيابة .. أين كنت بالأمس و هل رأيت الملك؟

الشاهد-1: كنت مارّا بالقرب من المحطة ووجدت الملك حزينا ومكتئبا.

النيابة .. و بعدين؟

الشاهد-1: أكملت سيرى. 

حضر الشاهد الثاني و كررت النيابة نفس الأسئلة.

الشاهد-2.. نعم رأيته بالأمس بجوار المحطة، عند دورة المياه، و يبدو أنه كان يقضى حاجته.

حضر الشاهد الثالث . وجِّهت إليه نفس الأسئلة. 

قال الشاهد الثالث: نعم رأيته يسير في منتصف الليل، وأنا راكب سيارتي و هو يترنح يمينا يسارا، و يصطحب معه فتاة جميلة.

 و الشاهد الرابع يجيب: أجل شاهدته يخاطب فوجا سياحيا، و كأنه يعرض خدماته. و بينما تواصل النيابة التحقيق مع الشهود  .جاء شخصا يحمل لفائف بردية، فانبسطت أسارير الوكيل، أخذ اللفائف و استدعى خبير الآثار المصرية.

سأله وكيل النيابة عن رأيه في هذه اللفائف؟ وهل فهم منها شيئا؟

تلعثم الخبير و لم يجب، و بدأت عليه علامات الريبة و القلق.

الوكيل: تكلم.

الخبير: عذرا سيدى، فالملك يود أن يظل المكتوب سرا.

الوكيل .. " كيف و أخرج صيحة  ممزوجة بغضب! كيف يكون سرا ؟! ولماذا تركه لنا؟ تكلم و إلا حجزتك"  ......  

رفض الخبير الكلام.

جاء خبير آخر، ونجح في تفسير الطلاسم الموجودة في الرسالة، و قال: نعم هى لغة الملوك.

 و سأله الوكيل عن مضمون الرسالة. و عاد الصمت، و رهبة و قلق واضحان على وجه الخبير،  واعتذر قائلا:  هذه  أوامر سيدي الملك. كاد الوكيل أن ينهار، و أمر باحتجازه هو الآخر. و استدعى ثالثا و قرأ الرسالة، هي باللغة الهيروغليفية، لغة عامة الشعب. و هذا الخط كتب منذ فترة وجيزة.  بعدما قرأ الرسالة، سرى الخوف في كامل جسده،  وارتعش، وتصبب العرق، واعتذر عن الإفصاح عما بداخل البردية, و قال هي أوامر الفرعون الأعظم، و من يخالف يموت. فأمر الوكيل باحتجازه أيضا. 

وبدأت رحلة البحث عن المجهول،  وبات الوكيل على فراشه حزينا، ولم تر عينه النوم طوال الليل حتى الصباح. وانتقل إلى مكان التمثال و كان الحدث له أبلغ الأثر في نفس الوكيل، و كانت للصدمة دوي عنيف، حتى كادت أن تفتك بالوكيل، و كاد أن يفقد صوابه. و لكن وجد الناس يذهبون و يأتون و كأن شيئا لم يكن, فالعمال منهمكون في عملهم، و شرطي المرور ينظم حركة السيارات، وسمع دقات ساعة المذياع، و صفير القطارات. نظر فوجد الملك هناك،  دقق النظر إلى الملك الذي اتسعت حدقتا عينيه، و انفرج فمه، و انفتحت أنفه، ورفع شفته العليا بانحناء بسيط. وظهرت أسنانه البيضاء و رفع يده اليمنى في خط مستقيم، وأشار بأصبعه السبابة في اتجاه الوكيل، وأخذ يقهقه مثل موجات بحر ترتفع و ترتفع و ترتفع، ثم تنخفض وتنخفض، وظل يضحك.











Share To: