ما هو الحل؟

هو ذا السؤال الذي امتد من واقع الازمة العربية إلى أزمة العالم الوبائية التي يبدو أنها لن تكتفي بالعصف بأرواح البشرية واقتصادات دولها وإنما بالنموذج السياسي الذي ارتكزت عليه الدولة فكريا ومؤسساتيا، أي النموذج الديمقراطي الذي من فرط تمكنه وتمركزه في الخطاب المثالي العلمي أصبح دينا وضعيا يغمر كل المقدسات من ديانات الشعوب السماوية منها والأرضية.

حمل الإسلاميون شعار الإسلام هو الحل طيلة سنوات اشتغالهم بالمعارضة في السر والحظر وتعرضهم فيها للقمع والمنع من قبل الأنظمة الديكتاتورية في بلاد العرب والمسلمين، وانطلقوا في حكمهم هذا اللا تاريخي من الاقتراح البدائلي النظري لفكر إسلامي محتبس في زوايا المثالية متطهر بالتجريد من لوثة التجريب، يقوم في خطابه النقدي على الهدم النظري للفكر المتمكن من التاريخ اليوم، دونما تقديم بديل يقبله أو يعقله هذا التاريخ، بل لقد تبين فيما بعد استلام بعضهم للحكم، أنه لا يوجد بديلا أصلا، وهو ما جعل مشروع الذي قيل أنه هو "الحل" يهوي من علياء نظريات الكلام إلى قاع الهزيمة.

والغريب أن الكثير من الإسلاميين لا سيما ممن حضروا بقدم في الحكم وأخرى في المعارضة، تراه في مسعى تبريره لموقفه المتناقض يغرق من حيث وعى أو لم يعي في مستنقع الميكيافيلية غير السياسية، أي تلك التي تدوس المبادئ، إذ في الوقت الذي كان يصر فيه مثلا الراحل محفوظ نحناح زعيم الاخوان الجزائريين ورئيس جهازهم السياسي غير الدعوي "حمس: بأن "الإسلام هو الحل" كان يرد على من يعيب عليه المشاركة في الحكم وقبول تزوير الانتخابات باسم الديمقراطية بأن "الديمقراطية" هي النموذج السياسي المثالي الوحيد المتوفر للإنسانية اليوم ! فأين النموذج الإسلامي الذي ترفعه خطب هؤلاء بكونه هو الحل إذن؟ 

على الطرف الآخر يصر الكاتب السياسي والروائي المصري علاء الأسواني على أن "الديمقراطية" هي الحل، في كل ندواته التي يلقيها بقناته على اليوتيوب، ويعمل في ترويجه لفكرته على تدليس منهجي خطير جدا، إذ يستدعي في التحليل كل مساوئ ما هو غير ديمقراطي، من إسلام سياسي وديكتاتورية عسكرية، ويغسلها بمحاسن الديمقراطية ثم ينهي مداخلته بقناعة أن "الديمقراطية هي الحل".

وكأن الديمقراطية التي مهما زينها وحسنها الفكر البشري تظل على صُعد النظر والفكر كما التطبيقات مليئة بالمساوئ طالما أن مصدرها الفكر البشري غير المعصوم، لكن لفرط تعايش الأسواني مع مساوئ الإسلام السياسي والديكتاتورية الثورية العسكرية في مصر، صار لا يرى الديمقراطية إلا دينا بشريا مكتملا ومعصوما وما على الشعوب العربية سوى عدم التأخر في اعتناقه ومن دون النظر إلا ما فيها من مساوئ حتى لو جاهر بتلك المساوئ أبناء هذا الفكر ومطبقيه.

وها هي ذي أزمة الجائحة العالمية كوفيد19 تطرح النموذج الديمقراطي أرضا بلقاح صارع صاعق، حين اشتعل النقاش حول إجبارية التلقيح من عدمه، وهل ذلك سيمس في شيء أقدس ما في مبادئ الديمقراطية وهي حرية الفرد التي تسبق حرية الجماعة، وحق الانسان في ممارسة رأييه.

هكذا مأزق في النموذج الديمقراطي يتجلى من خلال الحوريات التصارعية بين مؤيدي ورافضي اللقاح تصل حد التخوين العلمي والتكفير الوطني وإلى عراكات على منابر الاعلام وبلاتوهات الشاشا والبرلمانات، تكشف عن عورات موجودة في بنية الفكرة الديمقراطية وهو ما تفضي إلى الاعتوارات التطبيقية بوصفها نماذج للحكم أو التسيير.

فالمصيبة التي تضرب العقل العربي اليوم هي في نزوعه الفطري الغيبي لإسقاط تصوره للخلاص والحل التاريخي باليقينية الميتافيزيقية، سواء أكان إسلاميا أم علمانيا، يتصور الحل النهائي في فكرة تبناها واستعصم بها سماوية كانت سماوية أم أرضية، من دون الانتباه إلى أن الكينونة هي قصة غامضة بفصولها الطويلة من الابتلاء إلى الصراع إلى التدافع وكل ذلك مما يَصنع ويُصنع منه التاريخ، ولهذا ذكر القرآن الكريم بأنها الحقيقة الخفية والمحتجبة والتي لا يمتلكها أحد سوى الله وستدق ساعة الكشف عنها في ميعاد محدد (إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) أساس التدافع إذن هو الاختلاف في الرؤى وليس في اليقينيات فالتاريخ لا تصنعه اليقينيات أو الايقونات بل الأفكار وحسن الاستبصار، وهو ما يغيب عن أصحاب مشاريع الـ..... هو الحل.

 








Share To: