شحيحة هي الانجازات المميزة في عراق ما بعد ٢٠٠٣ إلا من كتب السيرة الذاتية والمذكرات الشخصية لرجالات المشهد السياسي، فقد أظهر الواقع شهية مفتوحة للمعظم في انجاز كتاب او كتب لإتحاف الجمهور الغافل بسيرته وانجازاته خلال المرحلة التي قضاها في احد مفاصل السلطة، ولعل أول من قطع شريط هذه السنة الحسنة، الوالي الامريكي المدني بول بريمر عندما كتب (عام قضيته في العراق) ثم توالت علينا المؤلفات تترى، فبين ايدينا (خطاب الدولة، تجربة حكم/ابراهيم الجعفري- تجربتي/باقر جبر الزبيدي- بين النيران/اياد علاوي- سليم حكاية السيرة والمسيرة/سليم الجبوري- السنوات الاربع في قصر السلام/فؤاد معصوم)، وبحسب مسموعاتي هناك اكثر من مشروع في طور الانجاز، فضلا عن المنجز الذي ينتظر لحظة نشره.
كتب السيرة الذاتية او المذكرات مدونات تكتب اما من خلال اصحابها او من شخص مقرب يتبرع او يكلف بالكتابة او من ند او خصم او من مهتم بالشخصية او المرحلة او القضية التي تتعلق بصاحب السيرة، ويختلف التقييم المعرفي لها، فعندما تكون برواية صاحبها او المقربين منه، يتم التعاطي بحذر مع مضمونها المعرفي والعلمي خصوصا عندما تتعرض لبعض الامور الاشكالية برواية مختلفة، ويزداد الشك عندما تكون الرواية منحازة الى صاحبها، وقد تتضمن اسرار وامور مهمة، خصوصا اذا تم عرض الاحداث حسب منهج علمي دقيق وبلغة محترفة، تفكك الاحداث والوقائع، وتكشف الخلفيات، وتربط الامور بصياغة تكاملية، كما، انها تزداد اهمية عندما تقدم نقداً موضوعياً منصفاً لمرحلة معينة او لتجربة ما او لمقاربة في ملف او قضية مهمة، وترتفع اهميتها في حالة تقديمها لتصورات وحلول ومخارج مبنية على اسس صحيحة، وموظفة للتجارب السابقة بشكل ذكي ومنصف، ففي التجارب علم مستفاد.
لا يخفى على مراقب منصف حجم الخلل العظيم الذي شهدته تجربة الثمانية عشر سنة المنصرمة، كما ان هذا الخلل يتراكم ويتزايد ويتشعب، ولا يكاد عام ينقضي إلا وحمل معه تركة أسوء مما سبقه، كما، ان هذا الخلل المسبب عن حزم كبيرة من الاسباب والمسببات التي لا مجال للوقوف عندها الآن، لا يعفي طرفاً من الاطراف التي شاركت وساهمت في ادارة المرحلة تحت اي عنوان كان، مع التأكيد على ان حجوم المسؤوليات تختلف من طرف الى آخر بحسب الموقع والنصب والصلاحية والظروف إلا ان الحالة العامة،  تشي بتورط الجميع إما بالفعل المباشر او غير المباشر او بالسكوت والتغاضي والتواطؤ مع اطراف الخلل، فالكل مستفيد من الكعكة إلا ما رحم ربي.
مما لا شك فيه، اننا بحاجة ماسة لدراسات وكتب شجاعة وموضوعية ومطلعة تقيم ما حدث، وتقرأه قراءة جادة، وتكشف الاسرار، وتضع النقاط على الحروف، وتدلنا على مصير أكثر من الف مليار دولار تم هدرها من خلال الفساد وسوء الادارة، كما ينبغي، ان نعرف حقيقة وحجم الدور الخارجي وكواليسه، وحيثيات ما مر بنا من محن ومشاكل من التفجيرات الى سقوط المدن وانتهاء بكل الجرائم، ومن الضروري، الوقوف على كواليس الصفقات والمؤامرات التي حكيت لهذا البلد في الداخل والخارج، إلا ان كل هذا من المستبعد جدا، ان تقوم به كتابات مترفة ذات اغلفة مميزة، كتبت لتلميع صفحة هذا او ذاك، او لاخراج رواية هوليودية لصناعات ابطال وهميين.
نعم نحن بحاجة من كل قادة العراق ان يكتبوا، وكل الذين تعاقبوا على السلطة ان يكتبوا، ولكن لا يكتبوا كتباً للسيرة الذاتية بل يكتبوا اعتذارات شجاعة، واعترافات صريحة وشفافة، تتحدث عن تقصير كل منهم فيما وصلت إليه البلاد، وانا زعيم بأن هذه الاعترافات سوف تطبع بآلاف النسخ، وسيتم قرائتها بإحترام وتقدير لأصحابها، وليس كما يحصل في كتب السيرة التي تعطى للاصدقاء وبعض الضيوف فيضعونها منضدة او مسندا او تثخينا لأمر ما.






Share To: