خمس أعوام انقضت على نزوحي إلى بغداد بعد مطاردة طويلة من دواعش بابل، وسنتين على وقوعي في فخ أكبر صحفي بالمدينة(نوار السامري) ذاك الرجل الذي عُرف طوال حياته بالنزاهة في عمله وبحسن أخلاقه بين أهله وجيرانه.  بعيد الفصح وصلنا إلى مدينة الروحاءُ هربا من الموت بعد أن شيعنا عمي وزوجته ليلا الى مقبرة الشهداء وودعنا جدتي التي بنت لها خيمة بتلك المقبرة تحرس أرواح من ماتوا من أولادها الستة على أيادي جيش الشيطان الذين يتلون آيات ما سمعنا بها  في كتب الدين. كان والدي رجلا علمانيا وأمي مسيحية فخاف علينا من السبي وعلى إخوتي من القتل فقررنا الرحيل. استأجرنا بيتا صغيرا ببغداد وانطلقنا نشق طريق الحياة بمدينة السلام التي أضحت لا سلام فيها. 
قابلت (نوار) بمكتبه بمقر جريدته –الوفاء- 
- كريمة نازحة من بابل من أسبوع، معي ليسانس صحافة أريد...
قاطعني بشهامة:
- لقد عينتك بقسم الحوادث مرحبا بك بمدينتك بغداد وبالجريدة وهذا رقم هاتفي0336845584  أنا بالخدمة في كل وقت.
لقد أخذت مني الحياة ببغداد  الكثير وما كنت لأحقق ما حققته من بيت وسيارة لو لم أدفن أنوثتي بقاع عظامي وألبس العناد لكن وجوده بقربي كان يشعرني بالحياة، معه فقط هاجرت طيور داعش الموحشة من شتاءاتي. دوما كان الخوف يسكنني والضجر لا يمل مني لكن قربه يفترس الوحشة من دورتي الدموية ويردني حية من جديد. كان مخلصي، لقد تشبثت به كما تشبثت المجدلية بيسوع.
كان يملك من الشهامة الكثير ما جعلني أذهب إلى حبه لا أقع فيه وأوافق على الزواج منه رغم رفض أهلي الشديد لأنه شخص متزوج وعنده أطفال. لا أذيع سرا إذا قلت أنها زادت رغبتي في الالتصاق به وأن يُوضع اسمي مع اسمه في النفوس حين  أخبرني أنه لم يعرف الحب الا معي واشترط عليا حق زوجته وأطفاله عليه. تزوجنا وسكنا بيتي. كنت أؤمن كما تؤمن أمي أن الزواج هو أن يترك المرء أمه وأبوه ويسكنا جسدا واحدا فأسكنته جسدي ولم يبخل عليا بهيكله حينها.
كريمة......كريمة يتناهى لي صوته بمدينة بغداد التي أصبحت غريبة عني وأشتاق له كما الزمن الأول الذي أخذ بيدي ولملم جراحي وفجأة أصحو من حلمي على خيبتي وضياعي.... كان مجرد قناع. يوم ذُبح الحسين ذُّبحت على يديه وها أنا أفيق على أكبر كذبة اسمها (نوار السامري) لقد أخذ مني بيتي وسيارتي ورجعت زوجته الأصل وأصبحت أنا المنفية ببغداد وضلا ضئيلا بالذاكرة.






Share To: