ليس يقصد بالا انتماء هنا، الاتجاه الفني أو الأيديولوجي حتى، بل يقصد به حالة الحيدة الكلية عن موضوعية التاريخ ومنطق المكان، بتززيف والتحريف وقلب المنطق، لغرض بلوغ ما هو أدن في مقابل ما هو خير، أي إرضاء الجهات التي هو مشدود لها هذا اللا منتمي ثقافيا وفكريا والمؤسسات التي قد تكافؤه بجوائز تلحقه صيتا وسمعة بقوائم المتوجين من غير اعتراف "مقروئي" موضوعي ولا خلود في الذاكرة الأدبية الإنسانية، وإ أين هو سلمان رشدي في رفوف الذاكرة المقروئية مقارنة مع روائع الكتاب العالميين كغارسيا ماركيز، غونتر غراس، أورهان باموق، فارجاس ليوسا وغيرهم، فالا انتماء هو زوابع رميلية مارة سرعان ما ينساها الناس، في حين يظل المنتمي للمنطق والموضوعية راسخا في حدائق الوعي المخضرة.

ظاهرة ممارسة اللا انتماء صارت ديدن عديد الكتاب العرب اليوم ممن ضاق بهم حال أمتهم الرازحة وحل التخلف بفعل نواب الاستعمار الذين يقودنها بعصبيات عسكرية وقبلية وأسرية إلى خلف التاريخ ومقتبل الحضارة، نظير ضمان بقائهم غصبا عن إرادة شعوبهم في السلطة، إذ يعمد هؤلاء الكتاب على الضرب العشوائي بأقلامهم، على كل ما هو رمز للانتماء عسى أن يخدهم الأمر في مطامهحم ومطامعهم الخاصة في سوق الخيال ومنابر الفكر والحوار المغلقة على غيرهم من أحرار الكلمة.

في هذا السياق تحدث مرة رشيد بوجدرة في معرض انتقاده الموضوعي لكاتبين جزائريين يكتبان باللغة الفرنسية، بوعلام صنصال وكمال داود، متهما إياهما بالافتراء على حقائق الثورة الجزائرية المقدسة في وعي الشعب، بغية مغازلة المؤسسات الثقافية والأدبية الفرنسية والفرنكفونية عموما بما يتيح لها التموقع في الفضاء الحكائي الفرنكوفوني والاستفادة منه.

حسب بوجدرة فإن بوعلام صنصال قد عمد في روايته قسم البرابرة Le Serment des barbares إلى قلب حقائق التاريخ رأسا على عقب واختار أن يوغل في الكذب التاريخي لاعبا على وتر أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية الحساس، عندما زعم بأن محاولة تفكيك خط موريس من الاسلاك الشائكة المكهربة الذي شيده الاستعمار الفرنسي على حدود بين الجزائر وتوس بقصد عزل الثور الجزائري ومنعهم من التسلل داخل الأراضي الجزائرية والقيام بعملياتهم الحربية، كان من طرف نازيين ألمان استعانت بهم الثورة الجزائرية !

والحقيقة حسب بوجدرة دائما هو أنه ما قام بمساعدة الجزائريين على تفكيك هذا الخط الشائك هم الشيوعيون من ألمانيا الشرقية وقتها، البلد الذي كان يساعد حركات التحرر العالمي ومنها الجزائر طبعا.

أما كمال داود الذي صار علامة على كل ما هو دوس على منظومة الثوابت والرموز الوطنية والمجتمعية للجزائر بهدف خلخلة البنية الثقافية للامة وتسهيل عميلة مرور المشروع الفرنكفوني إلى عمق الذات الوطنية، فقد انتقد بوجدرة مزاعمه بأن الأراضي الفلاحية التي استولى عليها الكولون (الاستعمار) كانت بإرادة الجزائريين وليس غصبا لأن هؤلاء الفلاحين الملاك الأوائل لتلكم الأراضي لم تعد لهم وقتها رغبة في خدمة الأرض !

وأبسط وعي يمكن أن يحمله أبسط انسان على وجه البسيطة لسوف يحميه من استيعاب أو تصدق مثل هكذا مزاعم فكيف بالمتلقي للخيال والفكر من نخب الناس !

كما وأعاب بوجدرة على كمال داود مقارنته لهجوم الثور على المعمرين بمقهي الميلك بار وسط الجزائر العاصمة، بالهجوم الإرهابي على مقهى بمدينة نيس الفرنسية، في إرادة لإلباس الثورة الجزائرية لباس الإرهاب ونزع قدسيتها من أعين الشباب القاطع اليوم، بسبب الفشل الذريع لمشروع دولة الاستقلال، مع التاريخ رافضا إياه موضوعا وموضوعيا.

فواضح من خلال نقد بوجدرة لهذين الكاتبين الفرنكوفونيين أن موقفهم اللا منتمي أدبا ومنطقا، إنما يرومان به المساهمة في توسع الفكر الاستعماري الذي لم يتوقف بانسحاب عساكر الاستعمار ومن تعاون معهم من المكان ليستمر في الوجدان وهو أخطر أطوار وصور الاستعمار الحديث.

فعندما تستحضر النازية كداعم للثورة الجزائرية، ويسلم الفلاح الجزائري أرضه التي هي مثل عرضه للمستعمر طواعيا (ليسلم الروح والدم فيما بعد لاستعادتها !)، وتصور الثورة كما الإرهاب، فلا يمكن وصف مثل هؤلاء سوى باللا منتمين الذين ناؤوا إلى المنطق والموضوعية، التاريخ والجغرافيا من خلال آلية التزييف والتحريف، وخانوا موضوعية الكتابة وطهرها نظير ترضية أسياد الكلمة اليوم ومختطفي الحقائق من الصهيونية العالمية المتحكمة في القرار التاريخي والثقافي، المحددة لمعنى الإنسانية من غيرها والمالكة الحصرية لحقائق الحروب والصراعات شرها وخيرها، كفاحها وإرهابها.

بشير عمري

كاتب جزائري










Share To: