لم يذكره عند ربه.

و نسيه السجان ، و لم يذكره عند ربه 
هاته رسائل قديمة ممزقة هناك عند آخر ممر من دهاليز السجن المظلمة ،كم مر ؟!سنة ، سنتان ، و يوم و أيام....
و لعله باخع نفسه في آسره هذا ، و قد مرت مائة سنة و نيف ، لقد مر كل العمر بين قضبان ، و لم يتبق  شيء...كما نضج جلده و تقدم به العمر ،  كان كلما نضجت أفكاره العميقة كما نضجت اشجار الصروا و الزيزفون و اشجار الصنوبر العالية المشرفة على حديقة السجن في ذاك الجبل المنسي بين قلاع قديمة .... و اشتعلت و تدلت كصدور النساء و حان قطافها و بالكاد و لم تقطف....
تبا لهاته القضبان ، و تبا ما سعت إليه و هي حمالة حطب العار و الدل، و حطب الحرمان من الحرية ، قضبان أزندت النار  على معتنقي الحرية وأصبحت هشيما ، اصبحت مقبرة النسيان في كتب ساحر منسية في كهف تحث الأرض ،يسكنه عابدين الظلم المسنن بالصدأ 
نعم 
و لعله من أصحاب الكهف يا أيها الكاتب ؟؟؟؟
يجيب الكاتب  :
و لعله.....يقبض على القلم بقوة مكسرا إياه فوق ورقة بيضاء خجولة من حبر لا يعري الواقع و لا يغسله بماء المطر و لا يطهر بنور الشمس ....

و كيف يعقل ؟!!بأن السجان؟! و صاحبه ،  أن ينساه عند ربه و ينسى قضايا الحق و الحرية... قضايا الحب التي تشرق كالشمس  ،كيف ينسون قضايا الياسمين و الزهر  و الحبق و إكليل الجبل المعطر في جبال الحرية ....
كيف ذالك؟!!
هنا ، صدأ جسده كما تصدأ القضبان و أصبح كائنا أخضر، زنجيرا من آنية نحاس منسية ، في رفوف إحدى القلاع من القرن الحادية عشر ، و  كأنه  آتى  من كوكب آخر  و من مجرة أخرى 
،طالت لحيته و شابت ،أكيد بأنه مر وقت طويلللل جدا و هو يغني قصائدا من معلقات قديمة على جدران السجن المعفنة
قصائد الحب
الحرية
 هنا ،  كل شيء شاب ،فتجاعيد عينه قد أصبحت أغلفة من الفشار ، و لكن بصره كان دائما جاحظا لنافدة السجن التي يتسلل منه ضوء أبيض غريب ، هناك يسمع همس الحرية ،و كأنه إمرأة فاتنة حسناء شهية ،  بيضاء ناعمة جميلة بملابس بيضاء لامعة  ، تهمس في أذنيه الوهنتين :

تهمس همسا يتلألأ في صوتها ، صوت الحرية 
همسها حريرا ناعما ، همسها حب ،سحب ماطرة بالعشب
قالت،و قولها حق ...

مهما طال الزمن ، لازلت أنا هنا بجانبك ، أنا مناك و انت حبيبي ، ، أنا أحبك حتى الموت ،برغم هذا الزمن الصعب و بالرغم من كل التغيرات و بالرغم من زمن وباء القضبان و هذا السجن المظلمة ، أنا أنيستك في الوحدة ، و أنا بلدك المسجون المقهور ، سأضمك في كل كواكبي ، الشمس تشرق كل دقيقة في بيت الحرية ....

و بصوت شجي غنت لفيروز

إحكي لي عن بلدي إحكي لي...

 أنا العذراء التي و إن أغتصبت ، فأنا عذارء دائما ، حبيبتك و شفيعتك ليوم قيامة الحرية ،ليوم  لا يبقى فيه  شفيعا ...
أنا الحرية
ح
ر.
ي
ة

تبسم هو ،و حضن أنفاسها النقية ، فهو يمشي على صراط مستقيم كخيل جامح ، مكر مفر مقبل مدبر كجلمود صخر حطه السيل من عل ، كما قال الشاعر .....
تبسم ، رغم تلك الدموع التي أغرقت إسفلت السجن المغبر المظلم ...دائما هو على صواب ، فهو رجل خيطت مقاساته على الحب ،  و على العزم و رسمت ملامحه على البطولة ، فهو فارس و قد قلت الفوارس في هذا الزمن الأغبر المصطنع من نفايات الرجال و من أشباه الرجال....
حكم القدر على سيد الحرية ، بأن يكون مسجون كنبينا يوسف ، و لكنه هو يعلم علم اليقين بأن حتى و إن تمزق جسده و ذاب في السجن ، فلابد بحلمه و لشعبه من النصر ، لقد آسروا شعبه و نسائه و أطفاله ،و حطموا المقدسات ،و حفروا هناك تحث الهيكل و في المدينة العتيقة ، أبرزوا مخالبهم بأسلحتهم  لكي يقولوا بالقوة ، هنا بلدنا و هذا موطننا ، وما كان موطن ، إلا كان وعد بلفور ...قتلوا و شردوا و احرقوا المنازل و قطعوا أشجار الزيتون و حتى لجة الياسمين البيضاء ، جرحوها و داسوا عليها بأرجلهم المدنية
أرضي حرة
شعبي حر
سمائي حرة
و أنا حر
لقد كانت تصله الأخبار و هو هناك جالسا ، من شرفة السجن ، 
تطل عليه حمامة بيضاء ، تنقل له له كل الأحداث و  بالبنض العريض على غصن زيتون معمر ...إشتاق للحرية ،بالرغم من فصول الخريف المتعددة و بالرغم من فصل الشتاء البارد ، هو في روحه مزهر بالياقوت الأخضر و برموز الحرية ....
و بالرغم بأن صاحبه نسي و لم يذكره عند ربه ، فهو هناك و لم يكن هناك ، فقد كان دائما كطائر الكندر يحلق  في سماء الحرية....
أنا حر
شعبي حر
سمائي حرة
أرضي حرة
رضاعتي من الحرية
و أمي حرة
و مماتي شيء حر







Share To: