روى ابن عبدالبر عن أبي داود صاحب ( السنن) :

أنه كان في سفينة فسمع عاطساً على الشطّ حمِد الله فاكترَى(استأجر) قارباً بدرهم حتى جاء إلى العاطس فشمّته (أي قال له : يرحمك الله) ثم رجع .

فسُئل عن ذلك فقال : 
لعله يكون مُجاب الدعوة .
فلما رقد  سمعوا قائلاً يقول:

 يا أهل السفينة إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم "  .
 
(أورده ابن حجر في فتح الباري ١٠/ ٦٢٦ وقال : إسناده جيد).

وأقول : 
قال ابن تيمبة : 
ومن أصول أهل السُّنة التصديق بكرامات الأولياء " وهي ثابتة بالكتاب والسنة للصالحين في كل عصر بشروطها...

والمستفاد أننا لا نستقل أي حسنة أو خير مهما كان صغيراً ، فربما يكون المثقال الأخير الذي يُثقل موازيننا - مع الحفاظ على الأركان والفرائض طبعاً .

قال ابن حجر :

ينبغي للمرء ألا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه ، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعـلم الـحـسنة الـتي يرحـمـه الله بـهـا ولا الـسيئة الـتي يسخط عـلـيـه بهـا ".  

(فتح الباري ١١/ ٣٢١)

وتشميت العاطس أن تقول له: (يرحمك الله).

فيردّ هو بقوله (يغفر الله لنا ولكم)
 أو
(يهديكم الله ويصلح بالكم ).

وكان ابن عمر يرد على من يشمته بقوله :

 يرحمنا الله وإياكم يغفر الله لنا ولكم .

فإن شمّتك أحد من غير المسلمين فترد بالثانية فقط ( يهديكم الله ويصلح بالكم ) لأنها تحتمل معنى إرادة الهداية للناس ولا مانع من ذلك

ويستثنى من التشميت (أي لا تقل : يرحمك الله).

١- من لم يحمد الله ، لكن يستحب أن نذكّره بالحمد ثم ندعو له .
 
٢- من زاد عطاسه عن ثلاث ، فهو مزكوم وندعو له بالشفاء والعافية .

٣- المُشتغل بسماع خطبة الجمعة فالاستماع واجب .

٤- ومثله من عطس في حمّام مثلاً ولا يستطيع ذكر الله ، ويمكن أن نؤجل تشميت هذين الأخيرين حتى يزول المانع .

٥- ولا نشمت الكافر ، فقد كان اليهود يتعاطسون (يتظاهرون بالعطاس ) عند النبي رجاء أن يقول لهم ( يرحمكم الله ) .
فكان يقول ( يهديكم الله ويصلح بالكم )
 والمسلم يرغب في هداية الجميع بالطبع.

٦- كذلك لا نشمت الذي يكره التشميت .

قال ابن دقيق العيد : 

ذهب بعض أهل العلم إلى أن من عُرف من حاله أنه يكره التشميت ، أنه لا يُشمّت إجلالاً للتشميت أن يُؤهّل له مَن يكرهه .

فإن قيل :
كيف يترك السنة لذلك ؟ 

قلنا : 
هي سُنة لمن أحبها ، فأما مَن كرهها ورغب عنها فلا .
قال : ويطّرد ذلك في السلام والعيادة (أي يقاس عليه زيارة المريض) .

قال ابن دقيق العيد : 

والذي عندي أنه لا يمتنع من ذلك إلا من خاف منه ضررا ، فأما غيره فيشمت امتثالاً للأمر ومُناقضة للمتكبر في مُراده وكسراً لسورته (أي حِدّته ) في ذلك ، وهو أولى من إجلال التشميت .

قال ابن حجر :

 ويؤيده أن لفظ التشميت دعاء بالرحمة فهو يناسب المسلم كائناً مَن كان . 

🌿 زيادة للمهتمين باللغة : 

جاءت الروايات بالتشميت والتسميت ( بالشين والسين) .

قال ابن الأنباري :

كل داع بالخير مُشمت بالمعجمة وبالمهملة ( أي بالشين والسين ) .

وقيل : التشميت التبريك والعرب تقول : شمته إذا دعا له بالبركة ، وشمت عليه إذا برك عليه .

 وفي الحديث في قصة تزويج علي بفاطمة " شمّت عليهما " أي دعا لهما بالبركة .

 وقيل :

 التسميت وهو من سُمت الإبل في المرعى إذا جمعتها .

فمعناه : جمع الله شملك .

وقيل : مأخوذ من السمت وهو القصد والطريق القويم .
 
وقيل :  هو من الشماتة وهو فرح الشخص بما يسُوء عدوه فكأنه دعا له أن يكون في حال من يشمت بعدوه ، أو أنه إذا حمد الله أدخل على الشيطان ما يسوءُه فيشمت بالشيطان.

وقيل : هو من الشوامت وهي القوائم .

قال ابن العربي :

 وذلك أن العاطس ينحلّ كل عضو في رأسه وما يتصل به من العنق ونحوه ، فكأنه إذا قيل له : رحمك الله كان معناه أعطاه الله رحمة يرجع بها بذلك إلى حاله قبل العطاس ويقيم على حاله من غير تغيير .

 فإن كان التسميت بالسين فمعناه : 

رجع كل عضو إلى سمته ( موضعه ) الذي كان عليه ، وإن كان بالشين فمعناه صان الله شوامته أي قوائمه التي بها قوام بدنه عن خروجها عن الاعتدال .
 قال : وشوامت كل شيء قوامه.






Share To: