بقلم: بلقاسم مزغوني
من هو الروائي الأمين السعيدي؟
لست بحاجة لمعرفة أصله و نشأته و مكان ولادته فما هكذا يعرّف المبدعون. بطاقة تعريفلالمبدع هي نصّه. و النّص و خاصّة الرّواية هي رسم هووي أي أنّنا نحتاج الرّواية لمعرفة من نحن و من نكون. فعندما أقرأ روايات من الأدب الرّوسي أو الأمريكي اللاّتيني سوف أتعرّف إلى عوالم في تلك المجتمعات لن أراها في غير الرّواية. و إن كانت الفلسفة بحث في الإنسان فالرّواية هي تأسيس للإنسان و بناء له من خلال بناء عالمه و تأثيثه. عندما تقرأ ل الروائي الأمين السعيدي فإنّك تكتشف كاتبا لا غبار عليه في المعنى الأوّل للعبارة. كاتب يجمع بين البساطة الواقعيّة و التجاوز الحدثي ممّا يفضي إلى اللاّمتوقّع و اللاّمنتظر. خرج هذا الرّوائي عن إجترار مواضيع القصّ المألوفة لحدّ الملل. و اللاّمنتظر في نصوصه هو ما يجعلك تلتهم صفحات روايته التهاما بنهم و لذّة لا مثيل لها. و لعلّي أقرأ لأوّل مرّة في عالمنا العربي نصوص كاتب لا يحترف البكاء و التذمّر. و مغادرة البكائيات هو علامة نضج. فلقد قرّر الكاتب أن يجعل من شعوبنا العربيّة في نديّة مع باقي شعوب العالم و هو قرار مشروع جدّا. ضجيج العميان عنوان إحدى رواياته أبرز دليل على ذلك. فالعمى و الضجيج كلاهما أمران سلبيان لكن عندما نجمع بينهما يولد التّحدّي فالأعمى يستغلّ ما بقي له من قدرة على إصدار الأصوات لكي يصنع عالمه بأيّة وسيلة كانت. من عمق السلبي نصنع المعنى و نبني عالمنا. يتداخل في الرّواية الجانب الجسدي و الجانب النفسي و يصرّ الكاتب المبدع إصرارا على نحت الجمال من خلال الكلمات. في نصوص الروائي الأمين السعيدي حتى القبح جميل جدّا. يصوّر لنا الكاتب في موضع حالة امرأة مكلومة فقدت عشيقها. لكن في نفس المشهد يشكّل حضور البحر و الظلام و الأشباح و القبل و الأحضان تحوّلا من فزع لفراق حبيبين إلى أنس بعناصر الطبيعة و الذكريات. تنتمي نصوص الأمين السعيدي إلى صنف الكتابات اللّذيذة حتّى في رسمها للألم. و لعلّ لذّة الإحساس بالجمال هو أبرز ما فقدناه في عالمنا العربي حتّى تحوّلت أنفسنا إلى صحراء قاحلة تماما كالصحراء المكانية التّي نعيش فيها. المرأة في الرّواية فاعلة و ليست مفعولا به كما درجت العادة و جسدها حاضر بلذّته و ألمه. فكأنّ لسان حال الكاتب يقول بأنّ الحياة في حدّ ذاتها متعة و ليست ترقّبا للمتعة. و في ذلك ضرب في العمق لأبرز سبب للكآبة في عالمنا المعاصر و هو أن نجعل سعادتنا هدفا لا واقعا. و تلك السمة التي تخترق جميع نصوص الأمين السّعيدي هي ما جعلتني شخصيّا أندهش أمام كتاباته. هذا الكاتب يقطع مع ثقافة الإنتحار التي دأبنا عليها. و ثقافة الإنتحار هي تيّار مجنون يخترق عالمنا العربّي اليوم أدنى مظاهره قتل النّفس و من خصائصه اللاّمبلاة و الأنانيّة و القبح و الكره و الفقر العاطفي و الفكري. نصوص الأمين السعيدي ترسم عكس ذلك تماما.
Post A Comment: