حين يرحل الميت، لا يترك خلفه سوى جسدا بلا روح يتلقى قبلات وداع على الجبين في انتظار أن يشيعه باقي الأحياء في موكب شرف أخير.
تحتضن الأرض الجثة الباردة المتخشبة للمرة الأخيرة و ينزل الستار.
لا أحد يعرف بالضبط لماذا قرر أن يصمت الميت إلى الأبد في لحظة الرحيل الموعودة.
هل هو تعب من أحاديث الدنيا التافهة؟ ام رغبة في الاكتفاء بحظه من بوح الأحبة و الخلان و شقاء الوجود و قلقه ؟
بعد الموت لا يجدي أن نقول أحبك،و لا أن نقول اشتقت اليك.
انتهى العرض.
هؤلاء الذين كانوا يزعقون مثل الغربان وراء مقود السيارة لأنه تأخر في الانطلاق عند إشارة خضراء،يهابون جنازته و يهابون  مرور سيارة الموتى التي تحمله،و يتممتمون عبارات السلام على روحه.
الحسرة هي حب متأخر،مسافر حضر للمحطة بعد أن تحرك القطار و ابتعد اميالا و اميالا.
يصمت من عاتب الميت و من هجره طوعا من أجل كلمة قيلت او لم تقال،من أجل نظرة او من أجل موقف بئيس:الموت قاض عادل،يمنح الفراق الأبدي لمن كان يبحث عن انتصارات الحياة السخيفة. 
من يصدق ان رمال الصحراء و رياحها الجافة كانت يوما ما سهلا مكسوا بالشجر و الزهر و الورد و النسيم المنعش؟
الموت ليس غيابا،الموت نهاية الغياب و اللوم و الحنين و كل أكاذيب الحياة.
كتب دوستويفسكي:
"لم أرَ نظرات الحُب الحقيقية إلا على عتبات المقابر، والمستشفيات، نحن أُناسٌ لا نتذكر من نحبهم إلا في النهاية."
يترك الموت رسالة أخيرة في كل مرة ينتزع فيها غاليا من بين أهله و أصدقاءه:
اجعلوا من حياتكم ذكرى جميلة تستحق دموع من سيبكيكم.

عثمان ناجي
كاتب مغربي







Share To: