الا تزال تذكُر ذلك اليوم الذي لبسنا فيه حقائبنا المدرسية لأول مرةٍ...أتذكر عندما وصلنا لباب المدرسة،صراخ وهرج كبير، لم ينقطع بغتة إلا مع رنة
الجرس الأولى،فسكن الهم قلبينا بحصص طويلة،وكتابة كل ما يكتب في السبورة السوداء.....
لكننا وجدنا المدرسة شيئاً جميلاً..
أفضل مما كان يقال ياصديقي ..
لم نجد كل تلك المخاوف..
رأينا الأستاذ وإذا هو بشرٌ مثلنا تماماً للأسف، وإن كان أطول منا قليلاً!
كنا نظنه فانوساً مضيئاً كلما سمعنا أن العلم نور..! اه يا صديقي كم رسمنا له صوراً مختلفةً في خيلتنا طفولية.
لم يكن أحد في القرية يعي سعة مداركنا، واتساع خيالنا..
حتى أتت المدرسة، فاكتشفتْ معدننا وأرتْهُمْ قيمتنا.
نلنا إعجاب الجميع، حتى العجائز من القرى المجاورة..
أتذكر عندما وصلنا إلى أطراف قريتنا..
حيث المكان المطلُّ على المدرسة..
سمعنا صوت الطابور عن طريق مكبر الصوت..
سمعناهم في التمرين الأخير..
بدأنا نسارع الخطى ونفرك يداتنا لنجهزهما للعقاب..
كان الجو قارساً رغم أن الشمس قد ملأت الأرجاء..
وصلنا المدرسةِ فرأينا الوكيل ببابها.. ينتظر المتأخرين ليسومهم سوء العذاب..
وبيده سلكٌ كهربائي أسود من النوع الذي لا يستخدم الا لنقل التيار العالي ...حاولنا أن نختبئ وراء مبانٍ للمحظوظين من أبناء القرية، الذين لم يكن يضطر أبنائهم
لإلستيقاظ مبكرين والمشي عدة كيلوهات صباحاً ومساءً جيئة وذهاباً من وإلى المدرسة،كانت كتبهم تمتاز بالنظافة على عكس كتبنا التي ما إن تفتح أحدها حتى تتناثر بقايا الطعام الذي تضعه أمك في شنطتك كأبأس زاد كل صباح..
والمصيبة العظمى هي أن تنفتح القنينة التي تحتفظ فيها بقهوتك بين الكتب!
حينها ستعوم أوراقك ولن تعرف ذلك حتى يسألك أحدهم: من بال على
ظهرك؟!..
وعندما كان الوكيل منشغلا..
مشينا على رؤوس أصابعنا حتى وصلنا الى المدخل
ولحسن الحظ فقد كان صفنا بجوار ذلك المدخل..
جرينا سريعا الى الفصل..
وصلنا اليه ودخلنا ونحن ننظر خلفنا..
أحسسنا بفرحٍ كبير وسعادة غامرة إذ أننا وصلنا دون أن نعاقب أو
نحضر الطابور..
مرات العوام سريعاً،ما أجمل طفولة يا صديقي...لكن الزمن لا ينام، يبعد الجميع رغم
أنفهم عن سحر الرؤية..
أتذكر عندما كنا نقرأ الدرس قبل أن ندرسه ونحفظه عن ظهر قلب، واضطررنا إلى قراءة منهج الثانوية في الأحياء والفيزياء والرياضيات قبل أن نبدا العام دراسي...
وجاء اليوم الذي ينتظره مائة وأربعون ألف طالبٍ وطالبة، يوم إعلان نتائج الثانوية العامة.وكشرت الحرب عن أنيابها...تم توقيف توزيع البعثات والمنح الدراسية...وتسلل البؤس كمكعبات الثلج في دمائنا....
يا صديقي عندما كنا في الإبتدائية كانت الحياة أسود وأبيض شبيه بروتانا كلاسيك تماماً ...أما بالثانوية كانت الحياة وردية اللون كلوحة زيتية لا تمحى،الآن يا صديقي تبدلت أشياء كثيرة في لوحة الحياة،واصبح الواقع المعاصر صعب الإلمام به، صعب حتى أن تحدد شيئاً ما،صعب حتى أن تتخيل... إذا كنت ما زالت تواصل قراءة هذا المنشور الذي لا أعلم أن كنت ستقره أم لا ،بسبب نشغالك بالزواج والزفاف.. فألف ألف مبارك عليك يا صديقي،من الأعماق مبروك وجمع الله بينكما على خير .
ع.م
Post A Comment: