كانت له عينٌ ثاقبة تُمكنه من قراءة مابين السطور ' فالمبدعين وحدهُم يستطيعون أنّ يدركوا الواقع بألوانهِ المختلفة ' 

ٲبي لم يكن مبدعاً فحسب بل كان مناضلاً قد سجل بطولات في سجل تاريخ حياته التي كانت مغطاة بالمتاعب والشجون ' لم يكن رجلاً عادياً كبقية الرجال ' عندما ترى عيناهُ الصغيرتان تظن أن بصره للأشياء محدود علماً بأن لا علاقة بطول النظر وقصره بشكل العين ' ولكنه كان نظره حاداً فيرى الأشياء البعيدة حتى تظن أنه يرى الواقع قبل وقوعه ' كانت له استنتاجات عسكرية تُمكنه من وضع خطط استراتيجة ليسير نظام حياته مستقيماً لأنهُ يكره الإعوجاج النفسي والفكري ..

كان ذو عقلية متجدد مع شروق كل صباح جديد..

فالأفكار عنده ليست ثابتة كالمستنقع بل هي نهر منجرف تشق طريقها نحو البحار والشمس باذقةٌ شعاع النور حوله فتمتد بصيرته بكثير من الحكمة والأمل ..

كنت عندما أنظر إلى عينيه واغوص في أعماقها كي أترجم تلك اللمعة الخفية فكنت أرى منارات بين سوداوتيه تستدل بها السفن الضالة كي تصل إلى مرساها بأمان..

أبي كان قاضياً، ومعلماً،و مهندساً ، و حاكماً  وراعياً ، ومزارعاً ، وبسيطاً ، وممازحاً ، وأباً وصديقاً وحبيباً ..

وكان إختيار الله له أن يكون طبيباً فضمد الجروح، وعالج الأسقام ، واسكن الآلآم، وأضحك الأفواه ، وطمئن القلوب.. 

وبعد أن أكمل أبي مهامه على متن الدنيا 

وعاش بين لياليها يزرع الخير فيها حان الآن ليحصد ماقد زرعه من أجل ذلك اليوم ورفع الله عنه كل ماكان يتعبه من مهام، وأمر جبريل الملك العظيم أن يأتي بروحه مطمئنة..

#ليلة_الثالث_من_مارس



الثالثة والنصف فجراً وما اقساه من فجر

هبت رياح شديدة البرودة كانت تحمل معها رسائل الموت 

ربما لم نستطيع ترجمتها في ذلك الوقت ولكن شعر الكل 

بشىء غريب يحدث مع ذلك الهدوء الغريب والمرعب، آهات أبي كانت تخبرنا بإشارات الوداع، وكنت أنااصارع وساوسي وهي تلوح أمامي كذبابة لعينة تأب الرضوخ كادت تلك الوساوس تخنقني بل أصابني الأختناق بالفعل   لا شيء يترجم حيث الهدوء المفرط في الطبيعة، وفي قلبي هناك لغة أخرى لن استطيع كتابتها ولا ترجمتها فالله وحده يجيد التفسير للكل ماكان يحدث أمامي في تلك الليلة

عيناي غطاها الدمع الحارق دقات قلبي مابين التسارع والتباطئ، توقف التفكير في ذهني اشتلت قدماي تثاقل جسدي وكأنني أنا التي كنت اصارع الموت مابين ذلك السكون والصمت العجيب ارتفع صوت أذن الفجر الأول كان الصوت خافت يأتي من بعيد لكنه أستطاع الوصول إلى أذاننا بفضل الرياح الشديدة،  نظر إلينا نظرة أخيرة وكأنه كان يحتفظ بملامح وجوهنا لأخر مرة بل كأنه كان يعبر لنا عن مدى حبه لنا ثم توقف أبي عن الآهات ظننا أنه قد نام وهو بالفعل قد نام نوما طويلا أبديا مريحاً كان وجهه مشرقاً منير وكأنه إبن العشرون ربيعاً ما أسعدك يا حبيبي والله إني أتنمى تلك السهولة في نزع الروح  

ثم لا شيء بعد أبي بهتت كل الوان الحياة المبهجة ولم يعد ذلك البرد من بعد تلك الليلة حتى ضحكتي الممتلئة بالحيوية غابت ربما دفنت معه وكأنه أخذ حقيبة ضخمة جمع فيها كل شيء يخص عائلته، ولا زلت أنا أتوهم بأنه في رحلة سفراً وأن الباب سيندق مجدد ليدخل هو ويضمنا إليه؛ فمن يقنع ذلك الضلع الأيسر أن من كان مسؤول عن دقاته بات تحت الثرى فاليحسن الله فراشك يا أبي ويهيأ لك مرقداً يليق بك ، كنت وستظل أعظم أب في تاريخي سأفتخر دوما بأني أحمل أسمك وأني أُكن بكنيتك ولن أكف عن ذكر محاسنك كما قال: الرسول أذكروا محاسن موتاكم؛ فاللهم يامحي ويا مميت فلتحي دوما أبي في قلوب محبيه 

اللهم أرحمه واغفر له وارزقه مجالسة الحبيب اللهم هيأ له مكانناً في الفردوس الأعلى اللهم برد عليه ترابه كما كان يبرد علينا أجسادنا بمداواته اللهم ياسميع يا مجيب أجب دعائي ودعاء كل من دعا لأبي بالرحمة 



#يثرب_عمر_صالح







Share To: