اليوم أرقدُ تحت التراب بجسمٍ متهالك شاحب، خرجتُ من مجتمعٍ أحمق لا يكترث لي؛ ينظر ليّ بدونية يرأني كجسدٍ ممشوقٍ وتضاريس تثير مخيلاتهم المريضة، لم تكن إلا ساعة خرجتُ فيها لجلب أشياء صغيرة تخصّ غيري، بخطوات سريعة ثابتة، أتنقل عبر طرقاتٍ ليست وعرة غير أنها خالية من المارة، طرقٌ متعرجة إفترشت باحتها بذئابٍ بشريةٍ أو ثعالب ربما تكشر أنيابها، في ساحةٍ خالية من هتافات الرحمة، كنتُ كفريسة أركض وقذرون يتهافتون لنيل شرف البداية، كيف لظبيةٍ تهرب من براثين ثعالب نكراء جائعة جاءت لتمزق بساتينها اليانعة، مناورات تحدث، كرٌ وفرٌ مميت مهلك حد التعب، لقاءٌ محرم تحت عرش السماء في ليلة ذات قمر مستدير، لم أكن مخطئة البتة في تلك الساعة، والدٌ سيموت من فرط الإعياء وأخرى مسنة بالكاد تستطيع الوقوف، كأني كنت المنقذ الأوحد بيد أني كنت الضحية العظمى، هجومٌ ساحق أودى وأهتك ما كنت أخبئه من كلاب الطريق الجائعة، في آنٍ كنت أقبع وأحتمي في سقف بيتي الصغير بأمنٍ وسكينة؛ تسللتُ غصبٌ لمجتمعٍ فاسدٍ، في تلك الليلة أضحت صراخاتي مميتة وأبواب مؤصدة في وجهي تخبرك بأن الساكنيها نيام، أو ربما افتعلوا النوم في تلك اللحظة،
كيف ذاك ومجتمع يرى السارق يسرق ولا ينطق ببنت شفة واحدة أو يحرك ساكناً؟
كيف لمجتمع يرى عيبه أمان وخوفه مسكنة أو لابد منه لتعيش بسلامٍ؟
أهذا السلام الذي نودهُ؟
أتلك هي الأحلام التي نرتسمها قبل النوم؟.
ذئابٌ هتكت تلك الحديقة المزهرة التي يقاس بها الشرف تحت مظلة العادات والتقاليد ولكن شرعنا أعزنا بعظمتها وحجبها قبل قوانين أؤلئك الأموات، شخوصٌ تناهل بتتابعٍ مزهق كأني عاهرة في بيت هوى بيد أني عاهرة دون إرادة، بعد غيابٍ دام لكّم من الزمان لم أعي، استيقظُ دون وعي كامل وسط أمكنة موبوءة بالقاذروات، قطعة قماش على فمي وأخرى على رأسي حتى عيناي ودماء كنت أغوص فيها، لم تسعفني إلا تلك الشلالات على خدي، بكاءٌ دون صوت ونحيب يقضم قلبي أنصاف، والدٌ مريض وأمٌ مسنة تتكئ على العصاة، لم ينقذني أحد حتى ظلي غاب عني في تلك السانحة، أترنح عبر الأزقة باحثة عن ملاذ، نباحُ كلابٌ وصوت ضفادع يشق أذناي بيد أن نحيبي طاغي على كل شيء،
كيف لفتاة أن تردع خمسة أو حتى إثنان؟
ألجمني ما حدث بماذا سأنطق أو أتحدث؟
سأقول أم أصمت؟
أسئلة جمة تختلج بعقلي اللا واعي، حياة هُلكت وشرفٌ تبعثر وبنت كانت أصبحت سيدة،
أجئنا لنكون مجرد خزائن لما تنثره تلك الذئاب بشرية؟ أم ما زال هناك ما يهتك أيضاً؟
لم يسعفني في ذاك الوقت إلا بئراً عملاقاً قادني له الدرب؛ ليواري عاري فيه، لم يكن ذنبي ولكن الذنب ذنب من ليس له أحد ليثأر له، ليبكيه وينعيه، أخبروا أبي إنني خرجت لدوائه وقد أفقدني الليل بصيرتي وإصطدمت ببئرٍ عملاقٍ غصتُ فيه دون أن يلحق بي أحد.
Post A Comment: