رواية الهامش 
للكاتب خالد سامح 
مشهدية الحياة ٠٠٠ الحائرة في عمّان ٠٠٠ شيطان الفكرة 
بقلم / سليم النجار


لم تكن رواية الهامش لافتة للقراءة فقط بحجم قراءاتها ومهاراتها في التحليل الإجتماعي لفترة زمنية محدّدة في عمّان وزمن سياسي مضطرب نوعاً ما ٠ أوهكذا تصوّر حازم الشخصية الرئيسة قي الرواية ؛ ( سأل بتعجب : 
- ما الذي قصدته بالهامش ، يا دكتور ؟ 
يرفع الطبيب حاجبيه الكثيفتين كدأبه عندما يجيب بحسم ونيرة واثقة : 
- كل ما يقع خارج ذاتك فهو هامشي ، استاذ حازم ص١٧ ) ٠ 
أو عمل المقارنات مع زمن سقوط بغداد ، يستطيع الكاتب خالد شرح اعقد المفاهيم السياسية المتداولة في المشهد السياسي في عمّان ، وأكثر الظروف الاجتماعية التاريخية تشابكاً ببساطة وسلاسة ، بل كانت من الروايات التي يعيش ابطالها في البحث عن الخلاص ، ( قال بصوت مرتفع وبسرعة دون أي توقف وكأنه حفظ الكلام عن ظهر قلب : " قررت الجهاد يا أبي في سبيل الله ضد الصلبيين الكفرة ، وانا الآن مع إخواني المجاهدين في العراق ص٥٤ ) ٠ ليست تلك العبارة مجرد حيلة بلاغية ، بل هي وصف لطريقة الكاتب خالد في السرد ٠ 
لا مفر من الاعتراف بأن هذه القراءة التي احكيها لكم الآن التي او النقد كما تسمونه في عصرنا العربي المهزوم ، تشبه بشكل أو بأخر ، الحكاية التي أوحيت بها لفرانز كافكا منذ أزيد من مئة عام لكنها بالتأكيد ليست نسخة مطابقة على غرار تلك القصة ، بل هي تواصل أنساني للغرائب التي تحدث في حياتنا وفي كثير من الحالات لا يتقبلها العقل ، ( عاد يتفرس في جسدها ويفكر في أمر ما ، هجست بذلك من نظرات عينيه الصاعقتين تجوسان في كامل جسدها ثم تتوقفان عند ثديها الأيمن ٠ حين مد اصابعه يتحسسه كانت غير قادرة على اية ردة فعل ، مشلولة اللسان والجسد والحواس ، أخبرها حان " التوقيع " ص١٢٨ ) ٠ 
ساتوقف قليلاً عن هذه الصور الدرامية التي استطاع خالد توظيفها بشكل جيد ومقنع ودون إقحام على السرد ، وكذلك لن اغوص كثيرًا عن شخصية حازم ، الذي جاء من مدينة الزرقاء محملاً بأحلام ضائعة أو مهزوماً ، في كلا الحالتين يمكن وصفهما بالإبن الغاضب من كل قناعاته التي تشبه قلم رصاص نحيف ٠ هنا يبرز سؤال : 
كيف يستطيع تحويل عالم المدينة - الزرقاء القائم المخنوق إلى ذلك العالم الفسيح المليء بالحكايات وسحر السلوك الأجتماعي المنتشر في ارقى احياء عمّان ، وان يجعل من ذلك الرماد نورا يدهش الناظر ؟ 
الإجابة ربما تكون في الرواية نفسها ( الهامش ) ف " ناس واماكن " " ليس مجرد رواية عن تحولات عمّان وعلاقة اهلها بالمدينة ، بل قراءة احتماعية نافذة بالغة العمق اساسها الرواية ومحورها عالم مليء بالهزائم ، يرصد خالد من خلالها ألعاب الزمن ، ( ومع عودة الشتاء ، وفيض ذكرياته ، وحميمية أجوائه التي تعيد الناس إلى ريفيتهم فيتحلقون حول المدافئ ساعات في لياليه الطويلة ص٨٧ ) ٠ 
يستمد الروائي سامح من ذاكرته الروابط التي تحللت والأماكن التي تبدلت والزمن الذي يدير عملية التحول برمتها ٠ 
يرصد كيف تم تخليق نمط جديد للأسرة في عمان على نمط تفكك العائلة ، ولا يرمز لذلك بإشارات واضحة مثل استقلال حازم بشقة خاصة له في عمّان او وجود طبقة جديدة من الأثرياء قدموا من بغداد إلى عمّان ، بل في تحليل مجموعة من المفاهيم التي بدأ الأعلان عنها في اوساط المثقفين مثل ظاهرة المثلية ، وهنا ابدع الكاتب تناول هذه الظاهرة على انها موجودة في أي مكان ، لكن يُعلن عنها ، ( معقول الله يخلقنا بميول جنسية مثلية وبنفس الوقت يحرم مثليتنا ؟ طيب كيف نعيش ؟ ص١٥٨ ) ٠ 
هذا الولوج لتلك المواضيع في سرد موضوعي وغير نمطي ، كل هذا الحضور لقيم اجتماعية ليست بالغريبة على المجتمع لكن الإعلان والتساؤل حول ماهيته هو الجديد على ثقافة عمّان ٠ 
فليس البوح دائما يكون متشكل من ازمة اجتماعية ، بقدر ما هو ضرورة البوح ، وهكذا هي لهيب الشخصية الأنثوية التي تم سرد قصتها بشكل طبيعي دون تصنع او زج في الرواية ، بل كانت ضرورة لها لأنها مرآة ما حدث في العراق ٠ فالمرأة في رواية الهامش هي انعكاس اخلاقي وثقافي  لهزيمة الرجل والمكان ، وكأن هذا التواطؤ بين الرجل المكان ، هو الرحم الطبيعي لإنجاب الهزائم التي لن تتوقف في عالمنا العربي وهذه الألتقاط من قبل الروائي تدلل على إدراك عميق كيف تتشكل الهزائم ٠ 
يقوم تداعي المعاني ، في النصّ ، على شيء يُذكر بشيء آخر ؛ ( كلهم كانوا مستعجلين ، لا فرق لديهم بين امرأة سليمة الحلمة ، واخرى تحمل حلمةً مشوهةً ص٩٦ ) ٠ قد تبدو لا علاقة لهذا التصوير بالواقع ، بل تنشأ هذه العلاقة في الذهن ، ( - عيني تعال نشرب العرق على البلكون ٠٠٠ وما تلبث أن نتراجع : 
لا ، تعال لغرفة النوم ص١٠٢) ٠ 
يدلُّ كلا الصوتين على تنافر وتضارب في الرغبات المتخلية ، وواقع بين رغبتين قد تطرأ على المشهد ، وكّل منهما يلبس قناع شكله او تشكل لمثل تلك المواقف ، والذي هو في حقيقة الأمر ليس طارئاً ، بل لازمة ضرورية لتخفي الحقيقة التي هي كفردة غير مرغوبة فيها في حياتنا اليومية ٠ 
واستطاع الكاتب خالد ان يستلهم من نبع لهيب للمكان رؤية تختلف عن ماهو سائد ، فلهيب ليست إمراة عادية أو نمطية ، بل هي حالة المتكلم بضمير الحدث ، ( لم تمتلك لهيب ترف الاختيار ، ولم تقفز للمجهول كما يقولون ، كان المجهول المتواطئ مع اللحظة التاريخية هو الذي استدرجها وأصلها إلى عمّان ص١١٣ ) ٠ 
ولكن حين يستجلب " الفكرة " لغتها الخاصّة به تسطع على الصورة الروائية كما فعل خالد سامح مختتماً روايته على الشكل الأتي : ( يعود إلى روايته ، وكما طلب ، يأتي إليه النادل بربع من العرق دون مازة ص١٨٣ ) ٠ 
بهذه الخاتمة للرواية يمكن القول ان خالد سامح رسم ظلال المكان دون تزويق أو إدعاء ، او حشو ايديولوحي ، انها رواية حياة الهامش ٠






Share To: