إننا نركض باستمرار، تتشقّق أقدامنا، تتعب أيدينا من التلويح بالوداع، نعدو بشكل دائم، نحو أحلامنا التي وضعناها لأنفسنا، الطموح الهائل الذي يقيّدنا احياناً، الأمنيات الصغيرة التي نسعى إلى تحقيقها مرة تلو الأخرى، الأحبة الذين نفقدهم ويخبو وهج حياتنا بعدهم، والآخرون الذين نلتقي بهم ونستضيء بهم..

وبينما نفعل كل ذلك، لا نستطيع الالتفات لنرى ما تركنا، وما فاتنا.. وفي لحظة ما، وبينما تتوّقف لتلتقط أنفاسك، ومن خلال مكان صغير، أو صورة دافئة، أو حلم يقظة نقف أمامه فجأة ونقول: ما الذي أريده من الحياة أكثر من هذه اللحظة؟!
اخبرت هُليس في تلك اللحظه : ما الذي أريده من الحياة أكثر من جلوس أبديّ في ظل الراحة النفسيه ؟ 
لاأترقب الناس وهم يركضون، فثط اكتفي بمراقبه النهار حين يغادر، وستكون في ظل هذا الهدوء الغامر في سعادة عارمة .. 

تذكرت ما قاله نيكوسكزنتزاكي على لسان زوربا، حين كان جالساً في المقهى قرب البحر منتظراً موعد السفينة التي سيرحل معها في سفره، صوت الموج ورائحة البحر تغمر المكان، والمقهى مظلم وبارد ومشاعر الرحيل متأججة..
قال : “انفتح الباب.. ودخل هدير البحر مرة أخرى إلى المقهى، وكانت أرجلنا وأيدينا قد تجمّدت من البرد، وازددت انزواء في ركني وتلففت بمعطفي، وأحسست بلذة كبيرة، وقلت في نفسي: إلى أين أذهب؟ إنني مرتاح هنا، ليت هذه الدقيقة تدوم سنوات.”
هذه اللحظة التي نقتطعها من بين محطات كثيرة نمرّ بها ونركض خلفها، عندما نشعر بدفء مفاجئ، أو نرى مكاناً حميميّا، أو يملؤنا الحب في دقيقة عابرة، ونسأل أنفسنا حينها: لماذا كل هذا اللهاث خلف ما نتصور أننا نريده؟
أليست هذه اللحظات تساوي عمراً كاملاً؟ ثم نأمل أن تظل، أن نتشبث بها، لكنها رغم ذلك، تمضي.. وتتركنا!
ما هي الأشياء التي حين نكون قريبين منها نشعر وكأننا نريدها أن تستمر إلى الأبد؟ أن نتوقف عندها ولا نرحل، نتراجع عن ركضنا المحموم، نهدأ قليلا ويصمت القلق والخوف والتوتر، ونتمنى أن تستمر هي وحدها؟ 
 غرفة معزولة عن العالم ذات أثاث هادئ؟ أم حلم الكوخ الذي لا شك وأنه راودنا في لحظة تعب من الحياة وتمنينا الحصول عليه، كوخ خشبي وسط غابة أو بيت صغير بين البساتين؟
إننا نحب الأشياء التي تجعلنا نحلم، التي تصنع داخلنا ذكريات عن ماضٍ لم نعشه ربما، أشياء تجعلنا نقول: كم كان الماضي جميلاً! حتى ولو ولم يكن..
ومثلما تحدّث الفيلسوف الفرنسي غاستونباشلار، فاللهب واحدٌ من الأشياء التي تمنحنا هذه الأوقات “إن اللهب هو من بين أشياء العالم التي تستدعي الأحلام” ألسنا نحبّ الشتاء من أجل اللهب؟ لنجلس قربه ونرحل إلى عوالم قديمة، نتخيّل، ونتذكّر، دون أن يقاطعنا شيء من واقعنا المرهق!
نعود إلى البيت بعد يوم دراسة طويل وشاق، وطوال الطريق نفكر بتلك الساعة التي سنجلس فيها قرب اللهب، إنه الدفء، والحلم، وصانع الذكريات الجميلة.
ما الذي نريده من هذه الحياة؟
عمل، سفر، أموال، كثير من الأموال، أطفال وعائلة، أحلام محقّقة، وماذا أيضا؟ ربما جلسة قرب نهر جارٍ، تنصت لحكاياتك وتحدّث نفسك بما لديك..
أو أن نستلقي تحت ظلّ شجرة زرعناها نحن وكبرت معنا، وصار دفء ظلها يمدّنا بالحياة وبالحب، وربما أكثر مما نفعل نحن مع الآخرين، جلوس قرب مدفئة تتذكّر قربها بيت طفولتك، فكما يقول باشلار أيضا، “البيوت التي فقدناها إلى الأبد تظل حية في داخلنا”، وهي التي تصنع أوقاتنا وذكرياتنا..
إننا نستعيدها ليست كما كانت، بل كما حلمنا بها، كما أردنا لها أن تكون، البيوت الأولى هي الخطوات الأولى والأحلام والحكايات، هي التي شكّلت وجوهنا وتجاربنا، ولذلك هي تعود، دائماً تعود، ونحن نحب ذلك.
ما الذي تريده من الحياة ي هُليس؟ أي لحظة تلك التي تجدها مغروسة داخلك بعمق وتتجلى في عينيك وروحك؟ اللهب؟ الكوخ الصغير؟ سباق في بستان كبير مع صديق قديم؟  أم ماذا نريد من الحياة أكثر من تلك الأوقات؟ 
العيش في وطن خاليا من الكآبه؛ وطنا مثل جميع الاوطان ، يمتلك الكثير من الحب والانسانية ويمتلك القليل من الشر والفساد .....
ماذا بالنسبه لك ي عزيزي !؟
‏”أنا لاأتمنى سوى السّلام دائمًا، أن أحتفل بالسرور طوال حياتي❤️.







Share To: