زوج رجال رواية للمبدع"أحمد رحماني"، صدرت عن دار فواصل(2020). وأهداها الكاتب إلى الإخوة في الوطن، وإلى أولئك "الذين اعتقدوا في كيان مغربي محتمل التحقيق، عقيدة ومحمل جد ويقين". وتدور أحداث الرواية الموزعة على ضفاف 359 صفحة حول شابين جزائريين قررا السفر، فتكون وجهتهما مخيم اللاجئين بمليلية، أملا في الانتقال منها إلى إسبانيا. "يحي" يسافر بحثا عن والده، و"بوسيف" سعيا لتحسين ظروف معيشته، وتشاركهما الأحداث عدة شخصيات منها: "زاهية"، "ميلود"، "بوستة"، "شنابو"، "القونسو"، "الوجدية أو ربيعة"، "ميمونت"، "موريسكا"، "الرابوز"، "الموتشو". شخصيات مختلفة مؤتلفة، فرقتها الظروف والأحوال، وجمعها الحزن والمصير.
أولا: التوازي والتقاطع بين الشخصيات
تطرق الروائي إلى عدة شخصيات في الرواية تتوازى وتتقاطع، متجاوزا الوصف والعرض إلى الغوص في أعماقها، وتعكس أسماء الشخصيات وألقابها ارتباطها الأصيل بإصطلاحات البيئة التي تنتمي إليها: مثل البيجوتري، الوهراني، الرابوز، القونسو، موريسكا.
ويساهم الجانب النفسي للشخصية في فهمها وسبر أغوارها وفهم سلوكها وتبرير ردود أفعالها، وهذا ما يتجلى للمتلقي من خلال الحوار الذي يكشف عن المستوى الفكري والثقافي والإجتماعي لكل شخصية.
• يحي: الطالب الجامعي الذي درس الفلسفة وعلم النفس" ورغم حداثة التخرج والاعتراف الجمعي بجامعية دراسته وتدرجه العلمي، سيبقى في الضمير والذاكرة الجماعية ابن الزكراوي المدعو البيجوتري" الرواية/ ص 09. "الزكراوي" الذي يعتبر في عداد المفقودين، فيسافر "يحي" بحثا عنه.
•الرابوز: نافخ الكير، اسمه الحقيقي بومدين، وهو كائن ثرثار، يتعاطى المخدرات أثناء العمل والكحول خارج العمل هروبا من ألم اليتم وجحيم الفقر "عايش التشرد من دار إلى دار، شب بين مخالب العربدة، والأوكار الخفية لبائعات الرذيلة وحلقات الميسر والقمار، ونوادي تدوير كؤوس المدام واليعبوق على حواف الأحياء ومشارف الهاوية" الرواية/ ص ص13-14.
• بوسيف: شاب متخرج من الجامعة بصفة مهندس ميكانيكي، وهو الإبن الأصغر لريس السفينة الملقب بالوهراني، الرجل الحي الميت الذي " استحوذت عليه لعوب ذات دلال متمرسة في خطف الرجال.. أم بوسيف أرملة وما هي بالأرملة، ونعتت بالهجالة وما تزال في رقبة الوهراني". الرواية/ ص 43.
يلتقي بصديقه " الموتشو" الذي يعمل نادلا بنادي البحارة، ثم بصديق قديم ( مراد ولد النياطي) يعده بالمساعدة ثم يخلف وعده، وبعدها يقرر "بوسيف" الانتقال من بني صاف إلى مدينة أحفير بالمغرب.
• ميلود: الزوج الافتراضي " لزاهية"، والذي وقع عقد زواج مزور معها ينتهي بوصولهما إلى المخيم بمليلية. ويتضح "ليحي" - بعدما قصته عليه زاهية -أنه قد يكون والدها، وأراد حمايتها بهذه الطريقة.
• زاهية: الشابة الجميلة التي هربت من زوج أمها (الوهراني) بعد اغتيال زوجها الذي فرضه عليها " الوهراني". تفر مع " ميلود" بعقد زواج (مدرح). وتنجح في الوصول إلى المقاطعة الإسبانية بوثائق امرأة تدعى الوجدية أو "ربيعة".
ينطلق" يحي" و" بوسيف" مع " ميلود" و" زاهية" برفقة "شنابو" -أمير الترحيل ورفيق التوصيل- إلى وجهتهم ليكملوا رحلتهم مع " بوستة" الكلاندستان. ومن خلال حديث الشخصيات تتجلى مستويات تفكيرهم، وفي سياق اطلاقهم للنكت يقدم "يحي" تحليلات من منظور أكاديمي مستندا إلى علم النفس، ويوافقه " بوسيف" الذي يتقاطع معه علميا وثقافيا"، فالمتفوق أو الذي يظن نفسه كذلك دأبه دائما ابهار الآخر ودفعه إلى الشعور بنقصه، فالمغلوب مولع بالغالب في كل شيء، قاعدة فكرية من قناعات ابن خلدون". الرواية/ ص149.
وعندما تبلغ الجماعة أركمان يلتقون "بالقونسو"( القنصل). يدرك الجميع بعد طول الرحلة ومعاناة مع الفزاعات الأمنية( رجال الدرك) أن " أقسى الأسفار لما تكون الرحلة بلا جواز ومجهولة الوجهة". الرواية/ ص 195. ويتمكنون من كراء منزل بمساعدة "القونسو". وهناك يوصفون بالحراڨة ، وبنظرة استشرافية تنبض أملا يبرر "بوسيف" الهجرة غير الشرعية، ويعتبرها تسمية ظرفية ستسقط بالتقادم، وستزول بتحسن الوضع الاجتماعي.
وبعد اختفاء "ميلود" ونجاح"زاهية" في الانتقال إلى إسبانيا يفترق الصديقان " يحي" و"بوسيف" في أركمان، ويتفقان على اللقاء في الكو( المخيم). يصاب " يحي" بكسور، فيمكث في المستشفى، وتساعده الممرضة "موريسكا"- حبا فيه - في البحث عن صديقه ليجده قد سجن بتهمة الانتماء إلى خلية مشبوهة تحضر لهجمات إرهابية. وبعد وعي وتأنيب ضمير تساعدهما "موريسكا"، ويعودان إلى الوطن.
ثانيا: الإغتراب والإنتماء
تتجلى صورة الوطن في الرواية من خلال التصوير الجمالي، الذي يضمر داخله التناقضات التي تتعايش في مدينة قست عليها العزلة وظلمها العوز، ولم تنصفها البيئة االجغرافية " إنها جرادة عاصمة الفيح والحمى الباردة... جرادة تنحت جنباتها وتواكل نفسها من السفح نحو الجبل، وتذبح من الوريد إلى الوريد، وتأكل كبدها بمعاول فولاذية أظافرها مثل أسراب الكواسر الجارحة، ويولد من صلب المدينة المضنى جحافل من الأرامل والأيتام" الرواية/ ص06.
يتحسر "بوسيف" وهو يقطع المسافة من غار البارود إلى المارينة على جفاف الوادي الذي غزته القاذورات والنباتات الغريبة وزجاجات الخمر وكانيطات البيرة الجارحة "فأضحى الوادي معدنا خاما للأمراض المعدية والمواد المسرطنة" الرواية/ ص48. وفي الوقت نفسه يعجب بالمدينة وهي تتزين " كل صباح بمساحيق اليم ونسماته، فتلفح جبينها بملوحة اليود وتغرز مسامها بروائح الحيتان وقشور الزعانف، وسيمة بني صاف بخريفها، فزاحفة بالخطوات الأولى للبحارة حاملين قففهم ملأى بعطاء البحر وبالخيبات اللطيفة" الرواية/ ص ص 48-49.
ويتجلى البعدان الروحي والجمالي للمكان من خلال مدينة بركان، التي جمعت بين الخضرة والماء وبين ملوحة التربة والزلال العذب. سميت بهذا الاسم نسبة إلى الولي الصالح" سيدي محمد أبركان"، وهي " مدينة النارنج والليم الأخضر والليمون الذهبي وتشينة الطامسا والسانڨينا الرمانية... بركان حاضرة التسامح
وحظيرة الجمع ومناخ التصاهر، تنبذ منذ أزلها الأول النعرات والتناحر " الرواية/ ص ص138- 139.
وفي الصفحة 288 يتوقف الروائي عند مفهوم الحدود ودلالاته السياسية التي تجاوزت جغرافيته " الحدود ليست ما هو مرسوم في الطوبوغرافيا، بل هي خطوط وهمية متعرجة في أذهاننا، ما يعني أننا نحن من رسمها في الواقع، صنع لنا الساسة الفاشلون عنصرية ورسخوها في أعماقنا باسم الوطن، وباسم الراية نستعد لها بالمناسبات على أنغام سكبوها في عروقنا الهشة ليثيروا فينا حماس النعرات وكراهية بعضنا".
وينتهي الروائي إلى مسألة الإغتراب.. إلى الشعور الذي يعيشه المواطن الإنسان الذي ينتمي إلى وطن فقد فيه الشعور بالإنتماء. يقول " بوسيف": " ما جدوى أن ننتعل أحذية جديدة، ونرتدي معاطف جديدة... ما جدوى إصدار كتب جديدة، وشق طرق جديدة وركوب سيارات جديدة واجراء إنتخابات جديدة ، والوطن عتيق" الرواية/ ص 290.
الإغتراب هو ما جمع بين الصديقين: "يحي غريب الأرض والجهة، وبوسيف غريب الأرض والبلد" الرواية/ ص 292. إنه الانفصال الجبري الذي حدث بين الذات ووطنها، وجعلهما يعيشان برد الغربة في وطنهما، ويتحملان قسوتها في غير بلدهما، لكن الوطن يبقى الملجأ والقدر الذي ينتظر. يقول " يحي" في آخر الرواية: "سأعود إلى جرادة المكوية بالجمر الحارق". ويقول " بوسيف": " ورغم كل شيء، فالوطن غفور رحيم".. ويبقى الوطن هو الوطن حتى وإن لاقانا بكفن!
Post A Comment: