٢٥ عاما ظل محمد فيها أهم شخص  لما يمثله عمله الذي يقوم به بالنسبة لي وهو بيع الصحف.. كنت أنتظره كل يوم بشغف شديد... لم تكن الصحف التي أطلبها  منه و يأتيني بها لمكان عملي في وقت محدد من كل يوم  مجرد عدد كببر من الصفحات مسودة بكم كبير من الكلمات تسرد وتحكي كم  من الأخبار وقصص المشاهير ورجال المال والسينما والرياضة وأنباء ما مضى وتوقعات ما سيحدث في المستقبل وما سيكون...كنت أنظر للصحف والمجلات وبعض الكتب نظرة أخرى أعمق وأجل  من ذلك،  فكنت أعتقد  بأن الدنيا بعد طبع كل جريدة أو كتاب، و بعد قراءة ما سوده الحبر وأصبح سطور وكلمات تقول رأيها هذه الكلمات والسطور التي تحمل الرأى والفكر الجديد في :أي علم أو تخصص أنه بعد ذلك لابد أن: ستحدث إضافة للدنيا وللفكر وللعقل الإنساني فمن المستحيل  تظل الدنيا كما كانت من قبل القراءة فالقراءة والطباعة من وجهة نظري  تقضى على السكون والجمود وتخلق عالم جديد من الدهشة والبهاء والسحر بما تحمله الصحف من تجربة  وإحساس وشعور الآخرين لتثرى به النفس وتندمج وتعيش تجارب شتى...  فقد قرأ العقل العالم قراءة مغايرة بصورة أعمق....هي قراءة ضد البلى غير قابلة للمحو قراءة بقيمة الوجود...لتكون  إضافة جديدة  لذاكرة البشرية ثم تأخذ العقول تناقش ما قرأت وتتمثله في حوار حضاري  بين من يكتب ومن يقرأ بذلك تتحول وتتقدم البشرية لو جزء يسير  بفعل القراءة الساحر هذا ما كنت أشعر به عندما أشاهد محمد بائع الصحف يحملها على كتفه لم أتخيله في يوم من الأيام في غير تلك الهيئة وهذه الصورة فقد احتلت صورته هذه جزء خاص من  عقلي...

كانت بيني وبين علاقة ملؤها الاحترام محمد الذي قد يراه البعض متشردا صعلوكا لا مهنة إلا حمل الصحف يئن تحتها كتفه والتسكع بها في الطرقات ونواصي الشوارع والميادين وكأنه يؤدي طقس مقدس ....كان ينظر لمهنته قبل أن أنظر إليها بشيء من القداسة لما تحمله الصحف والكتب من رسالة لمحاربة القبح وقتل الجهل والتقريب بين البشر والحوار الخلاق بينهم من أجل تقبل منا للآخر  والرقي بالسلوك. الإنساني... 
كنت ممتن لمحمد كثيراً : لأفكار  كونها عن شخصي دون أن أعرف فكان يعتقد أنني أكثر الناس فهما وعلما .كنت أعجب لاعتقاده هذا عني ،فأنا لم أصف نفسى بشيء من ذلك يومآ  أمامه أو أمام أى شخص غيره  ...  كان يستشيرني فى كل شئون حياته الخاصة فاذا مرض يذهب لطبيب فى المنصورة من أكفأ الأطباء ولكنه يرفض تعاطي الدواء  حتى يسألني رأيي فى الطبيب والدواء ؟! وكان يثنى على  ويصفني ويخلع على شخصي صفات أتحرج من ذكرها لأحد .وفى يوم سألته وتمنيت عليه أن يصدقني القول لماذا يثق بي كل  هذه الثقة العمياء و التي كنت أخاف عليه من هذه الثقة يعد أن يستشيرني ؛ فتأتى بنتيجة خطأ  دون قصد منى قال: سأذكر لك سر ثقتي فيك وهى من وجهة نظري فى محلها أي من وجهة نظر محمد" فعندما سألوني فى محل الجرائد لمن تأخذ الأهرام والقاهرة والعربي  عالم المعرفة والهلال ،وغيرها الكثير بخلاف كتب مكتبة الأسرة فكان يذكرني لهم ، وكانوا يثنون علي من يقرأ هذه المجموعة من الكتب والصحف دون أن يعرفونني وهذا سر ثقته العمياء في شخصي وهذا ما جعله أيضاً أن يأخذ رأيي في الطبيب والدواء قبل أن يتناوله وفي كل شئونه الخاصة... . شكرته على ذلك ولكني طلبت منه أن لا يثق فى أحد هذه الثقة العمياء  حتى لو قرأ أكثر مما ذكرته  ولكه أصر على أن من يقرأ القاهرة والهلال ، والأهرام ،وعالم المعرفة  يعرف أسرار وعلوم  أكثر من غيره فهو من يستحق أن تسأله الناس . ....قابلته أمس بعد فترة طويلة من الانقطاع ولكن حاله تبدل انطفأت نظرته أصبح أقرب لشبح فارقته ابتسامة التي كنت أقرأ فيها وعد بلقاء الغد بمزيد من الكتب والصحف الجديدة لم تفارقها بعد رائحة الحبر... تحمل أخبار وأفكار تتناقش فيها العقول بعد القراءة  فسألته وأنا أعلم بالجواب أكثر منه لماذا أنت  على هذه الحالة  السيئة ؟  فقال: 
- بأسي لم يعد  للجرائد والقراءة الورقية سوق كما تعرف... وأصبحت بلا عمل ولم أتخيل نفسي.... أعمل غير هذه المهنة  فقد قتلها الانترنت وأجهز عليها تماما.... و...... ، وكان معه أعداد قليلة من  الجرائد ثم قال لم ابيع منذ الصباح إلا......  نسخة واحدة.....  ،فربت على كتفه مواسيا.... ثم...... لا أعرف ماذا أقول ...محمد تائه لأنه متمسك بعالمه الأثير الجميل. ولكن ذلك العالم: ترك محمد غير مأسوف عليه إلى غير رجعة

 المشاعر الأولى تظل تسكن  قصراً منزويا في منطقة ما هناك بالوجدان هي سرنا الأبدي المنقوش من هذه المشاعر والذكريات صورة محمد بائع الصحف وبما تحمله من رسالة ملؤها الجمال والفكر والتسامح بين البشر.!!







Share To: