ابراهيم الحمدي كان مشروع طاغيه لم يكتمل، لكن البعض عملوا منه المسيح المصلوب والمواطنين البسطاء ترحموا على أيامه لأن في عهده حصلت طفره اقتصاديه بسبب تدفق الأموال من الخليج وشملت تلك الطفرة الدول العربية كلها وليس اليمن فقط.
الحمدي كان من تلاميذ الفريق حسن العمري وشاركه في عمليات قتل وتصفية خصومه وله دور غير مشرف في احداث اغسطس الطائفية، وللحمدي دور في تعذيب وإخفاء المعارضين السياسيين في معتقلات الأمن الوطني التي تم إنشائها بقرار منه.
أولى الحمدي جهاز الأمن الوطني اهتماماُ خاصاً حيث كان محمد خميس ينشر مخبريه في الشوارع ليؤمن للحمدي السير في الشوارع بدون موكب ليظهر وكأنه محبوب من الجماهير ففي عهده تضخمت دور الأجهزة الأمنية وصار العقيد محمد خميس الذي شاركه انقلابه الأبيض اسطورةً للخوف والرعب.
في عهد الحمدي أنشئت ما يسمى بالمعاهد العلمية "دينيه" واعتمد لها ميزانية خاصه وتولى رئاستها القاضي لطف الفسيل أحد كبار الملكيين العائدين الى حضن الجمهورية وساعدت هذه المعاهد في بناء كوادر حزب الاصلاح وتخرج من هذه المعاهد ايضاً بعضاً من مؤسسي الشباب المؤمن النواة الأولى للحركة الحوثية.
أستعان الحمدي بضباط جيش بلا ثقافه ولا رؤيه ظناً منه أنه سيحركهم لمصلحته فصعد كل من علي عبدالله صالح، علي محسن، حسين الغشمي من هامش الجيش إلى أعلى المناصب العسكرية ودفع حياته ثمناً لذلك ودفع اليمنيين أثماناً مضاعفة، ولم يتحرك الحمدي من اجل القضاء على التمرد في حاشد وكان شيوخ القبائل الذين يفرون من بطشه يتوجهون إلى الشيخ عبدالله الاحمر الذي تحصن في حاشد دون أن يحرك الحمدي ساكناً.
أحاط الحمدي نفسه ببعض الحزبيين وقرب خلال فترة حكمه من يصنفون أنفسهم هاشميين وبالذات من يدعون الليبرالية منهم وحتى من أعلن بيان انقلابه الأبيض كان هاشمياً وهذا الإجراء الذي اتخذه الحمدي يصب في إطار الصراع العبثي الذي يدور ولازال يدور بين جناح من يصنفون انفسهم بالسلالة والجناح العسكري المشيخي الذي ذاق حلاوة الحكم بعد احداث سبتمبر سنة 1962م لذا ليس غريباً أن يمدح الحوثيين الحمدي ويحتفون كثيراً بفترته بل واطلقوا أسمه على بعض المنشأت بعد أن تعرض للتغييب خلال فترة حكم صالح وبيت الأحمر.
الحمدي كان له دور في الإصلاح لا ينكره أحد ولكن في إطار الحكم العسكري وفي إطار تكوينه الجغرافي بحيث لا يصل الأمر إلى تغيير مسار وهيئة الحكم ومنظومته الاجتماعية الثقافية السياسية المهيمنة، تصادمت تلك الإصلاحات مع مصالح شريحه أخرى تنتمي لنفس المنظومة فتم قتله، وتلك الإصلاحات قد تكون مناسبه لزمن الحمدي ولكن إن أراد اليمنيين الخروج من متاهتهم المزمنة ينبغي إجتثاث المنظومة برمتها بدلاً من الدوران في نفس المتاهة العبثية التي أنهكت اليمن أرض وإنسان.
الكثيرون مصرين أن يتعاملوا مع الحمدي كملاك وإله لا يجوز تفنيد ونقد مرحلته بطريقه موضوعيه رغم انه لكي نتعلم من درس التاريخ نحتاج إلى الصورة الكاملة دون إنتقائية وإجتزاء السلبيات عن الايجابيات او العكس بعيداً عن الصنمية والتقديس.
عموماً منجزات عظماء الأمم مكانها المتحف وكتب التاريخ، والشعوب التي تبقى أسيره لدى الماضي لا تتقدم نحو المستقبل، والنحيب على الأطلال لا يساعد في حل معضلات الحاضر وعجلة الزمن لا ترجع الى الخلف ولا تعيد من رحلوا حتى لو كانوا أبطالاً خارقون.
Post A Comment: