( إشراقات الروح )
دكتور / جمال فودة
عضو الاتحاد الدولي للغة العربية
كاتب وناقد من مصر
بنكهة رومانسية حالمة تصوغ الشاعرة كلماتها بأسلوب شيق ثري بالجمال، والرقة والعذوبة؛ لتعانق آفاق الروح؛ فترصد نبضات قلب بحجم الكون يبث مشاعره الإنسانية الدافئة التي تدعو إلى التفاؤل والمحبة، وتدفع إلى الأمل في بساطة شعرية خالية من التعقيد، وفي فلسفة واضحة لا يفسدها غموض.
فالحياة تجربة لابد أن نعيشه بحلوها ومرها، وبهذه النظرة التأملية للحياة تدعونا الشاعرة من خلال هذه القصيدة إلى التفاؤل والأمل والابتعاد عن التشاؤم بأسلوب فلسفي تأملي.
تبدو هذه المقطوعة الصغيرة حافلة برموز إيحائية ودلالات نفسية، واستبطان لخلجات الوجدان وومضات الفكر، ذلك أن الشاعرة مادامت قد أصبحت لها رؤية خاصة في إطار تجربتها، ومادامت تستعين باللغة الإيحائية وليس باللغة المعجمية وسيلة للكشف والتعبير، فإن اللفظة تتجاوز معناها المعجمي إلى دلالة خاصة تتسق ورؤية الشاعرة،
تقول ريهام سليم:
يهمسُ البحرُ لقلبي
ابتسم للعثراتِ
وانظُر الآن لموجي
أدّ معهُ رقصاتي
ارمِ أحزانك عندي
واستمع للكلماتِ
كُن قويًّا بحنانٍ
قِف أمام الصدماتِ
كُن بأفعالك لينًا
يعتلي بالرحماتِ
لا تلُمْ حالك مهلًا
دم سعيد النبضاتِ
لو ترى النبضَ حزينًا
تحتمي بالضحكاتِ
كنزُ أخلاقك طِيبٌ
دام كل اللحظاتِ
كُن جميلًا بصفاءٍ
اِطوِ كل الصفحاتِ
التي أبكتكَ يومًا
انسَ كلّ الصرخاتِ
عشْ سعيدًا بسلامٍ
اغتنم ما هو آتِ
إن بنية الدلالة تتنامى لتخلق على مستوى التركيب تقابلاً يتخطى ظاهر اللفظ إلى باطنه، ينزع هذا الغلاف الخارجي فيصل إلى جوهر الدلالة، ليبرز لنا هذا التقابل (ابتسم للعثراتِ) (ارمِ أحزانك عندي، دم سعيد النبضاتِ) (لو ترى النبضَ حزينًا، احتمي بالضحكاتِ) (اِطوِ كل الصفحاتِ التي أبكتكَ يومًا، عشْ سعيدًا بسلامٍ)، فالمقابلة في هذا السياق تثرى الحركة المطروحة على مستوى النص، حيث لا تتأتى للفرح بهجته إلا من خلال إطار الحزن الذي يغلفه ويحيط به، ولا يكتسب الأمل دلالته المحددة إلا من خلال السياق الذي ورد فيه اليأس.
والبحر ـ هنا ـ يوحي بعدة دلالات تعمل على تكثيف درجة التوتر الشعرية، فعهدنا بالبحر أنه صاخب متسع مرعب لا تحده حدود، تعكس أمواجه المتلاطمة أبعاد المخاطر المتجددة والأزمات الحياتية المتوالية التي تحيط بنا، لكن بحر (ريهام سليم) على النقيض من تلك الصورة؛ فهو بحر هادئ آمن (يهمسُ البحرُ لقلبي)؛ حيث تصبح لهذه الصورة المائية دلالتها المادية والنفسية والرمزية في آن واحد، إذ تسهم في تأكيد شاعرية الصياغة بتحويلها من المباشرة إلى غير المباشرة، الأمر الذي يتيح لنا ضرباً من تكثير الواقع وتنويع منظورات التجربة.
Post A Comment: