من الذاكرة...
                      لم يكن والدي رحمه الله انساناً متسلطاً، ولم يكن يستسهل الصّفع... لم يضربني إلا ّ مرة واحدة في حياتي غير انها كانت "طريحة" بمعنى الكلمة رسخت في الذاكرة..
وكانت دون شك بحجم الفعل الذي إقترفته؛ أسبوعان كاملان من العُزوف الخفي عن الذهاب إلى المدرسة..
لم أكن قد وصلت إلى سن العاشرة بعد.. كنت اخرج كل صباح من البيت ولكن بدلاً من الذهاب الى المدرسة كنت أتوجه الى مُنحدر حيث كان يقبع هيكل سيارة قديمة سقطت هناك منذ سنوات...
تستّر عليا زملائي بإخبارِهم المُعلم أنني مريض لأنهم كانوا لا يستطيعون ولا يريدون إفشاء أمري...
لكن هُروبي من المدرسة إنكشف حين اِلتقى المعلم صدفة بوالدي وسأله عن أحوالي الصحيّة قد تحسّنت!!
لا زلت أرى ابي وهو قادِم للمنحدر، رجل جسيماً قوي البنية يجرّ احد زملائي من أذنه وهو يبكي، وأظن أن أكثر ما كان يؤلمه هو اضطراره للبوح بمكان خلوتي..
لقد كانت المسافة التي قطعتها بين سيارة أحلامي و المدرسة جحيماً وطريق عذاب!
ليس بمقدوري أن استرجع الأسباب التي كانت وراء سلوكي انذاك، ولكن من منّا لم يحلم أن يكون قائد لشيئ مااا!!؟
أظن أنني جُبت أرجاء العالم في هيكل السيارة ذاك وانا مُمسك بحزم بما تبقى من المِقود...
ربما سمحت لي هذه التجربة بتنفيس كلي، أو ربما ذلك راجع إلى ذكرى تلك الطريحة... فأنا اليوم لا أحب كثيراً قيادة السيارات ولازلت أجد في إصلاح السيارات المستعملة طُعم هيكلي الحديدي القديم..

                                    ذكريات التسعينات لا تُنسى..!





Share To: