إتفق نفر من فلاسفة المسلمون مثل "الفاربي"، "الكندي"، " إبن سينا"، " إبن ماجة "، على ما ذهب له " أرسطو" من تقسيم للعقل على أربعة أوجه، (عقل هيولاني، بالقوة)، (عقل بالفعل، بملكة النفس الناطقة)، (عقل مستفاد، مطلق)،و (عقل فعال، بملكة التفكير)، لكن إبن رشد ذهب إلى  تقسيم تشريحي للعقل وملكة التفكير، فقال (بعقول برهانية تهتم للظاهر من الصور)، و (عقول منطقية تقيم الحجج العقلانية)، و(عقول تستجيب للدلالات الخطابية من آراء ومسائل ترجيحية لأصحاب تلك الآراء)،  إلا أن" أبو بكر إبن عربي"، تجنب التصنيف فرأى أن العقل( صفة مطلقة يتأثر بها الإدراك العلمي للإنسان)، بمعنى أن العقلانية ظاهرة وواضحة في الأشياء والمخلوقات يتأثر بها إدراك الإنسان، رأي إتفق معه فيه "إبن تيمية" مما أدي إلى وجود تعريفين ينسجمان ولا يتطابقان، التعريف الفلسفي لإبن عربي، بالعقل الذي يصل للنتائج عبر مقدمات وإستدلالات، وتعريف ديني لإبن تيمية يقول بالعقل الذي ينظر للحقائق والموجودات على أنها آيات؛

وكانت مسألة (الخير والشر)، حاضرة في خطاب العلماء الفلسفي عن ماهية العقل، وكثرت المواضيع التي ناقشت أدوات التفكير في تلك المسألة وإذا ما كان التفكير  نفسه ضمن أدوات القياس جانب الحس والشعور، أو كون العقل وحده هو ما يستطيع الإقرار بما هو خير وما هو شر، وهل تشرح فروضات الثواب والعقاب بما يتأتى من ظواهر أعمال الناس مسالك تقييم للعقل، أم أنه يجب التطرق للصراع الداخلى للإنسان والذي تكشفه نزعاته الظاهرة بين الخير والشر، والحكم إن ما كانت نفسة محسنة أم أمارة بالسوء .

بنسب كبيرة إتفق  الفلاسفة القدماء والحداثيين على مصدر واحد للشر وهو (الإنسان نفسه)، بينما إختلفت الشروحات فيما بينهم، بين إنسان يعي شروره وآخر يجهل بها، وقد نزهوا الخالق عن الشرور أو إنتسابها له عز وجل إلا بالخلق، فالله خالق كل شيء القادر على كل شيء؛

بداية من عند "سقراط، 399-469، ق م" فيرى أن،(النفس تتهيأ للفضيلة وخيرها وتؤثرها عن كل لذة، والنفس الشريرة هي لنفس تجهل نفسها والخير بها، ولا يمكن أن يقال بأنها إرتكبت الشر عمدا)، و"افلاطون، 347-427 ق م "، متأثرا بسقراط يخالفه على إستحياء، يقول أن( ثمة إكتساب الشر الأساسية تعود للمحيط الموجود، لكن بشكل عام الشر مباح لمن أراده)، ويستدرك بأنه( إن لم تظهر صورة للشر عن طريق فاعل لكنه موجود، يكون الفزع والخوف من شيء معلوم ولم يظهر، فإن ظهر عن طريق فاعل فيكون الضرر والألم)، ويتفق " ارسطو، 322-384 ق م "، مع معلمه افلاطون في أن( الإنسان هو الفاعل للشر ومصدره، لكن الطريق مفتوح أمامه للخلاص من شروره)؛

في الفلسفة المسيحية كانت قضية الشر قضية خاصة لما حملته من خصوصية لتضحيات المسيح بزعم الصلب والموت من جهة وخصوصية تحمل عبأ الخطيئة الأولى(خطيئة آدم عليه السلام) من جهة أخرى، لكن فلاسفة المسيحية القدماء كغيرهم من الفلاسفة اللاحقين تنكروا لهذا  الأمر فمنهم " القديس أوغسطين، 430-354 م"، يرى أن ( علة الشرور والآثام لا يجب أن تعود للخطيئة الأولى، وأن الشر والخطيئة هما الواقعان عن الإنسان المرتكب لهما، وهذا الإنسان فطرته قد تغريه الفضيلة والخير، وقد تغريه الخطيئة والشر)، رأي دعمه فيه "باسكال، 1662-1623 م"، (الإلتزامات الأخلاقية عند فهم الخطيئة الأولى أبعد ما تكون أن يتفهمها عقل لخطايا كل إنسان)؛

والرؤية الإسلاميه لقضية الشر ومصدرها تجلت في إستنباطات فلاسفتها القدماء كذلك، فنجد" الفاربي ، إبن ماجة" يتفقون مع رؤية "إبن سينا، 1037-980 م" الذي يقول بأن( الشر ذاتي وليس بالقياس إلى أي شيء آخر) ، وهو نابع عن مصدره الإنسان وعاد بذلك إلى نظرته حول " الوجود والعدم"، وإعتبر أن ( الشر عرضا جزئيا ضروري الوجود كضرورة وجود الخير) وقسم الشر على وجهين(شر بالذات، لمثل النقص"جهل أو ضعف"، وشر في التسوية بالخلق" إيقاع الظلم أو قصد الرياء" )، والوجه الآخر( الشر العرض فيكون، شر في ذاته لا وجود للخير فيه، خير في ذاته لا وجود للشر فيه، شر يغلب على الخير يحكم بعدمية الخير رغم وجوده، خير غالب على الشرور يحكم بعدمية الشر رغم وجوده، وقسم يتساوى فيه الخير والشر نسبيا )، ورغم أن الرؤية الإسلامية العامة ترى أن الشر ضروري الوجود يستتبع وجود الخير وأن الله هو الخالق للخير والشر  لكن إبن سينا خاصة يقول بأن (الخير يفيض عن الله بتصوره سبحانه لكماله) الرأي الذي يتفق مع الفلسفة اليونانية فيه وخاصة بالأفلاطونية المحدثة عن أرسطو،






Share To: