الزبناء الآن ، مصطفين حول الكونتوار العريض، يتزاحمون بطريقة عشوائية من أجل إقتناء السلع والمغادرة في أقرب الآجال، أكتسب هذا المحل وسط المدينة سمعة حسنة وصيتا ذائعا في المدن الأخرى المجاورة، كل من لا يجد قطعة غيار نادرة لسيارته، يأتي إلى هنا ، ليتم تسريح خدماته بسهولة، أنا ورفيقي في العمل، نؤدي خدمات الزبائن بشكل يومي، نمدهم بأنواع الزيوت وقطع الغيار حسب الطلب.
في البدأ، لم أكن افهم شيئا في أنواع الزيوت أو قطع الغيار، لأن تواجدي في المحل لم يتجاوز الشهر.
في لحظات فراغنا، حيث تقل حركة البيع والشراء، أثرثر مع صديقي حسن وأتبادل معه أطراف الحديث حول الحياة والنساء والبشر، نتكلم عن أوضاعنا الإجتماعية والإنسانية، والعجيب أن حسن مند ولد وجد نفسه يسكن في حي من الصفيح، أناس ذلك الحي خطرين جدا، يقتتلون كل يوم ولا يكون من واجب الشرطة أن توقف صراعهم العنيف، هناك موتى وجرحى لم يؤخدوا حقهم من القانون، بل أخدوه بنفس طريقة القتل والجرح ذاته، وكان حسن مرغم على العيش هناك مع عائلته الصغيرة والإستماع إلى الشتائم البديئة من خارج المنزل والعمل في هذه الحوانيت والأكشاك لتوفير قوت الأسرة، وفي الايام التي لا يجد عملا، يصبح الأب مضطرا لبيع الحلوة الجامدة والطواف بها قرب المدراس والأحياء.
أحس حسن بغبن شديد إثر الوضعية الحرجة التي تعيشها عائلته، كان يدور في حلقة مفرغة شأن ذلك شأن حياته الوضيعة والفارغة من المعنى، كان مرغما على تدبير شؤونه الخاصة لوحده، لا يملك أية حرفة أو صنعة، بل ما يعرفه هو أن يحمل الأثقال والإسمنت والحديد والإشتغال في الأعمال الشاقة وورشات البناء، وفي ذلك المساء توسط له أحد الأشخاص لصاحب هذا المحل، وأشتغل حسن عنده وقد طال به المقام هنا طويلا.
يوم الأحد، هو يوم عطلة لنا، هؤلاء البرجوازيين لا يستطيعون اتخاذ يوم الجمعة عطلة لهم، لأن تجارتهم ستتعرض لكساد مهول وخسارة، لا نتذمر من هذه المسألة، فقط نحتاج إلى يوم واحد كي نرتاح فيه ونستحم ونثرثر مع العائلة، في الحقيقة أنا لا أتخد هذا اليوم عطلة بالنسبة إلي، بل أقضي فيه بعض الأمور المتعبة، كالتجول في المدينة وإقتناء كموسة ساعوط والإلتحاف داخل حديقة ظليلة، تم أفكر أنني لا شيء، أشبه سراب الطريق المتموج، تلك الحديقة لم تكن لتظلل أحزاني وشقائي، والتجول في الدروب والأزقة لن يشعرني بالحماسة في حب الحياة مجددا، حين أضيق اختناقا أركب دراجتي الهوائية عائدا إلى البيت غير مبال لهاته السيارات الهائجة بصراخها الرهيب، أعود لأرسم طرقات لا نهاية لها، وأستقبل أياما لا أظن أنها كافية لتحظن أحلامي..
ما نفعله اليوم نكرره في الغد، نؤدي خدمات الزبائن ، يكون حسن ملزما بمعرفة قطع الغيار، وأما أنا أكون مطالبا بمعرفة انواع الزيوت والفلترات الزيتية وأقراص العجلات والطوندورات والبلونات والبستونات.. إنه عمل شاق ومتعب للغاية لا يليق بنا، لكننا رأسمال بشري يفيد الأجلاف ولا يفيدنا نحن في شيء،
تختلف أوساط الزبائن الذين يقتنون من محلنا، هناك فئة غنية، وهم رجال الأعمال والمهاجرين الذين راكموا ثروة طائلة، وفئة ثانية هي فئة الفلاحين والأشخاص البسطاء، من موظفين وأساتذة و سائقين..
معاملة الفئة الأولى من طرف رب العمل، تكون لينة وفيها الكثير من الحب والإيخاء، والسبب راجع إلى أن هؤلاء الاغنياء حين يقتني أحدهم قطعة غيار باهضة، لا يساوم في ثمنها أبدا، بل يقذق بالمبلغ كاملا فوق الكونتوار وعلى وجهه بسمة صوفية لا مثيل لها، لكن على غرار هؤلاء ، الفئة الثانية، تساوم على ابسط الأشياء، لذلك تكون معاملتهم معاملة سيئة وفيها نوع من الإستحقار والتقليل من الآخر..
Post A Comment: