◉ القرآن هو المصدر الأول لتفسير القرآن ويقصد بتفسير القرآن بالقرآن :
أي بيان معنى آية بدلالة آية أخرى وهناك وجهان لاعتبار القرآن مصدرا للتفسير ، هما وجه شرعي ووجه عقلي.
🌴أما الوجه الشرعي فهو أن الرسول ﷺ قد استخدم هذا الأسلوب في التفسير مما يدل على صحته وسلامة استعماله.
🌴وأما الوجه العقلي فهو أن المتكلم أدرى بكلامه فإن أَجمَل كلامه ثم بَيَّنَه في موضع آخر فإن حَمَلَه عليه يكون أَولَى، فلا أحد أَعلَم بمعنى كلام الله تعالى مِن الله تعالى.
🌲أريد أمثلة على استخدام الرسول ﷺ لهذا الأسلوب في التفسير ؟
◉ ذَكَر أ د مُسَاعِد الطَّيَّار في كتابه (التحرير في أصول التفسير) الأمثلة التالية:
١) تفسير الظلم في قوله تعالى:
﴿ *الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ ...﴾ [الأنعام: ٨٢]
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لَمَّا نَزَلَتْ
﴿الَّذينَ الَّذينَ آمَنوا وَلَم يَلبِسوا إيمانَهُم بِظُلمٍ ...﴾
[الأنعام: ٨٢]
قُلْنَا: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟!
قالَ :
ليسَ كما تَقُولونَ {لَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ} بشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إلى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ
﴿... يا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ إِنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظيمٌ﴾
[لقمان: ١٣].
[صحيح البخاري (رقم/ ٣٣٦٠)].
٢) تفسير مفاتيح الغيب في قوله تعالى:
﴿ وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ...﴾ [الأنعام: ٥٩]
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :
مَفاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ
ثُمَّ قَرَأَ:
﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ ما فِي الأَرحامِ وَما تَدري نَفسٌ ماذا تَكسِبُ غَدًا وَما تَدري نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَموتُ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ﴾
[لقمان: ٣٤].
[صحيح البخاري (رقم/ ٤٧٧٨)]
◉ ثم قال مُسَاعِد الطَّيَّار :
«فالرسول ﷺ- قد فَسَّر القرآن بالقرآن ، وهذا وحده دليل كاف على صحة هذا الأسلوب في التفسير».
يقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله :
«إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِلَ في مكان فإنه قد فُسِّرَ في موضع آخر ، وما اخْتُصِر من مكان فقد بُسِطَ في موضع آخر».
🌲ينقسم تفسير القرآن بالقرآن إلى أنواع وهي:
١) بيان مراد لفظة في آية بآية أخرى.
٢) تخصيص العام.
٣) تقييد المطلق.
١) مثال على بيان مراد لفظة في آية بآية أخرى .
قال الله تعالى :
﴿احشُرُوا الَّذينَ ظَلَموا وَأَزواجَهُم وَما كانوا يَعبُدونَ﴾
[الصافات: ٢٢].
• المختصر في التفسير :
«ويقال للملائكة في ذلك اليوم :
اجمعوا المشركين الظالمين بشركهم هم *وأشباههم في الشرك والمُشايعون لهم في التكذيب وما كانوا يعبدونه».
• قال الإمام ابن جرير الطَّبَرِي ت : ٣١٠هـ في كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن :
«قال ابن زيد في قوله :
{احشُرُوا الَّذينَ ظَلَموا وَأَزواجَهُم} قال :
أزواجهم في الأعمال وقرأ :
{ وَكُنتُم أَزواجًا ثَلاثَةً
• فَأَصحابُ المَيمَنَةِ ما أَصحابُ المَيمَنَةِ • وَأَصحابُ المَشأَمَةِ ما أَصحابُ المَشأَمَةِ • وَالسّابِقونَ السّابِقونَ}
[الواقعة: ٧ - ١٠]
فالسابقون زوج، وأصحاب الميمنة زوج، وأصحاب الشمال زوج قال :
كل من كان من هذا حشره الله معه.
وقرأ : {وَإِذَا النُّفوسُ زُوِّجَت}
[التكوير: ٧]
قال : زوجت على الأعمال ...».
أَزواجَهُم في هذه الآية : أي أشباههم في العمل .
❁ ابن زيد هو :
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي وهو مفسر من أتباع التابعين ت: ١٨٢هـ رحمه الله.
٢) مثال على تخصيص العام .
المقصود بتخصيص العام أي :
قصرُ العام على بعض أفراده .
والعام هو : ما دَلَّ على جميع أجزاء ماهية مدلوله .
قال الله تعالى :
﴿ وَلا تَنكِحُوا المُشرِكاتِ حَتّى يُؤمِنَّ ...﴾
[البقرة: ٢٢١].
• المختصر في التفسير :
«ولا تتزوجوا أيها المؤمنون المشركات بالله حتى يؤمنّ بالله وحده ، ويدخلن في دين الإسلام ...».
• قال الإمام أبو الحسن الواحدي النيسابوري -ت: ٤٦٨هـ في كتابه الوجيز في تفسير الكتاب العزيز :
«... والمشركات ها هنا عامَّة في كلِّ من كفرت بالنبي ﷺ حرَّم الله تعالى بهذه الآية نكاحهنَّ ثمَّ استثنى الحرائر الكتابيات بالآية التي في المائدة ».
قال الله تعالى :
﴿اليَومَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعامُكُم حِلٌّ لَهُم وَالمُحصَناتُ مِنَ المُؤمِناتِ وَالمُحصَناتُ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم إِذا آتَيتُموهُنَّ أُجورَهُنَّ مُحصِنينَ غَيرَ مُسافِحينَ وَلا مُتَّخِذي أَخدانٍ وَمَن يَكفُر بِالإيمانِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ﴾
[المائدة: ٥].
فكلمة المُشرِكات عامَّة تشمل كل من لم يدخلن في دين الإسلام، سواء كن مشركات وثنيات، أو نساء أهل الكتاب ولكن جاء الحكم بجواز الزواج من المحصنات من نساء أهل الكتاب بآية سورة المائدة ، فدل ذلك على أن كلمة المُشرِكات في آية سورة البقرة خاصة بـ المُشرِكات الوثنيات .
٣) مثال على تقييد المُطلَق :
المقصود بتقييد المُطلَق أي :
قصرُ المطلق على بعض جنسه .
والمُطلَق هو : ما دَلَّ على شائع في جنسه .
قال الله تعالى : ﴿ الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمساكٌ بِمَعروفٍ أَو تَسريحٌ بِإِحسانٍ ...﴾
[البقرة: ٢٢٩].
• المختصر في التفسير :
« الطلاق الذي يمتلك فيه الزوج الرجعة طلقتان ، بأن يطلق ، ثم يراجع ، ثم يطلق ، ثم يراجع ، ثم بعد الطلقتين إما أن يمسكها في عصمته مع المعاشرة بالمعروف ، أو يطلقها الثالثة مع الإحسان إليها وأداء حقوقها ... ».
قال الشيخ محمد الأمين الشَّنقِيطِي -ت: ١٣٩٣هـ في كتابه أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن :
«... {الطَّلاقُ مَرَّتان} فإن ظاهره المتبادر منه أن الطلاق كله محصور في المرتين ، ولكنه تعالى بَيَّنَ أن المُرَاد بالمحصور في المرتين خصوص الطلاق الذي تملك بعده الرجعة بقوله :
﴿فَإِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعدُ حَتّى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَهُ ...﴾
[البقرة: ٢٣٠] ».
فالظاهر المتبادر من كلمة الطَّلاقُ في آية سورة [البقرة: ٢٢٩]
مقيد بالطلاق الرجعي كما يتضح ذلك من الآية التالية لها آية سورة [البقرة: ٢٣٠].
وينقسم الطلاق من حيث الأثر المترتب عليه إلى قسمين :
طلاق رجعي ، وطلاق بائن .
والطلاق الرجعي يكون إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية على غير عوض ؛ فيجوز له مراجعتها قبل أن تنتهي عدتها وهو المشار إليه في قوله تعالى :
{الطَّلاقُ مَرَّتان}.
أما الطلاق البائن فهو قسمان :
بائن بينونة كبرى، وبائن بينونة صغرى .
والبينونة الكبرى تكون إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الثالثة ؛ فلا تحل له حينئذ إلا بعد أن تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا ثم يفارقها.
أما البينونة الصغرى تكون إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية ثم تنتهي عدتها، أو يطلق زوجته بعوض ويسمى "الخلع"، أو يطلقها قبل الدخول بها ؛ وفي هذه الحالات يجوز له أن يراجعها ، ولكن بعقد جديد ومهر جديد .
Post A Comment: