حديث الجمعة
             القدوة الحسنة       ٢٤
تابع موضوع بعض خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم
أيها القارئ الكريم حدثتك في الجمعة الماضية عن بعض خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم وذكرت لك منها نهى المؤمنين عن عدم مناجاته باسمه الشريف ومن خصوصياته صلى الله عليه وسلم القسم بحياته في القرآن الكريم
واليوم بإذن الله عز وجل أحدثك عن بعض ما اختصه الله به من كَلِم جامع وذنب مغفور مستلهماً من الله الرشد والصواب راجياً من الله ان يكون ذنبى مغفورا وعرضى مستورا متأملاً في ربى العزيز الغفور أن يختار لي ولكم الخير في كل الأمور
ومعنى (الكَلِم الجامع)
فضَّل الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم على غيره من الأنبياء عليهم السلام بأن أعطاه جوامع الكلم فكان صلى الله عليه وسلم يتكلم بالقول الموجز القليلِ اللفظ الكثير المعاني. ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري وابن الاثير في جوامع الأصول ومعنى أعطاه مفاتيح الكلام  ما يسَّره له من البلاغة والفصاحة والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحِكَم ومحاسن العبارات والألفاظ التي اُغلِقَت على غيره وتعذّرت عليهم قال العز ابن عبد السلام رحمه الله ومن خصائصه انه بُعث بجوامع الكلم واختُصر له الحديث اختصارًا وافق العرب في فصاحته وبلاغته
أكدت ذلك السنة المطهرة فعن أبي هريرة رضي الله عنه _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((فُضِّلْتُ عن الأنبياء بِسِتٍّ : أعطيت جوامع الكلم؛ ونصرتُ بالرعب؛ وأُحلت لي المغانم وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا؛ وأرسلت إلى الخلق كافة وخُتِم بي النبيون)) رواه مسلم
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(( أُعطيت فواتح الكَلِم وجَوامِعَه وخَواتِمَه)) ويعني بذلك التوصل إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها ومن كان في يده مفاتيح شئ مخزون سَهُلَ عليه الوصول إليه ومعنى خواتمه حسن الوقف ورعاية الفواصل
من جوانب القدوة الحسنة في هذه الخصوصية الدعوة إلى أصحاب كل رسالة من الدعاة والحكام والمُعلمين والمحامين وغيرهم أن يتعلموا أمرين 
الأمر الأول أن نعمة البيان في الكلام هبة من الله عز وجل تستوجب الشكر لكل من أنعم الله عليه بهذة النعمة
الأمر الثاني يجب على جميع من ذَكرت مراعاة مقتضى الحال وتوصيل رسالتهم إلى من يحتاجون إليها بالبيان الشافي والجواب الكافي لتصل الرسالة الى أصحابها وهي تحقق الهدف المنشود منها
معنى ذنب مغفور : اختص الله تعالى عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم تشريفا وتكريما بأن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأخبره بهذه المغفرة في حياته صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه تعالى أخبر أحدا من الأنبياء بمثل ذلك بدليل قولهم في يوم الموقف العظيم : نفسي نفسي أما هو صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى: له (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)) 
وقال تعالى (أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ (1) وَوَضَعۡنَا عَنكَ وِزۡرَكَ (2) ٱلَّذِيٓ أَنقَضَ ظَهۡرَكَ (3) وَرَفَعۡنَا لَكَ ذِكۡرَكَ (4)) 
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الشفاعة؛ وفيه : فيأتونَ عيسى فيقُولُ   اذهَبُوا إلى غَيْري اذهَبُوا إِلى محمَّدٍ فَيأتُون محمداً فيقولون يا محمد، أنتَ رسولُ اللهِ وخاتمُ الأنبياءِ وقد غفرَ اللهُ لك ما تقَّدم من ذنبك وما تأخر....) رواه البخاري 
وقد سُقْتُ لكم هذا الحديث على سبيل الاستدلال وقد ورد في الباب أحاديث كثيرة تدلل على ذلك 
والمراد بغفران الذنب بالنسبة له صلى الله عليه وسلم مع عصمته التي لا يقدح معها الغفران 
ما كان خلاف الأولىَٰ وهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين وقال بعض العلماء المراد بالغفران الحيلولة بينه وبين الذنوب فلا يصدر منه ذنب لكي لا يؤاخذ بذنب لا يتفق مع العصمة 
من جوانب القدوة الحسنة في الاقتداء بما غفر الله له ما تقدم وما تأخر :
الخوف من الله عز وجل والشكر لله على نعمة الغفران كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة؛ لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال ((أفلا احب ان اكون عبدا شكورا)) رواه البخاري 
وفى الحديث دعوة إلى من يدَّعون الكرامة والولاية ويتساهلون في أداء الفرائض بحجة الولاية والقرب فأقول لهم لا يوجد على وجه الأرض من هو أفضل عند الله من خير خلق الله حبًّا وقربًا ومع ذلك قد عبد ربه حتى تفطَرت قدماه وإن كان في الأجل بقية فالحديث موصول بإذن الله  
في الجمعة القادمة مع خصوصية من خصوصيات سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كانت الأخرى فالأجر عند الله مرجوٌ ومأمولٌ.







Share To: