عَنِ المُصافَحَةِ أُحَدِّثُكُمْ:
لَكَمْ إِشْتَقْتُ إلَى المُصَافَحَةْ...
نعم يا سادتي
إِشْتَقْتُ إلى هذه الجزيئة الجد بسيطة في حياتنا ما-قبل كورونية و عالمنا اللا-كوروني الذي يبدو و كأن بيننا و بينه الآن ملايين السنوات و الأميال الضوءية و كذا...ملايين الذكريات و التفاصيل الصغيرة و التي كانت لا تُلآحَظُ و لا تُنآقش بل فقط تُمآرَسُ و تُعآش بانسيابية و عذوبة كخرير مياه الجداول بين العروش و المروج.
وَ المُصَافَحَةْ هذه...و أنا أخص بالحديث هنا فقط المصافحة باليد و ليس أخواتها الغير-شقيقات و بنات عمها العفيفات من تقبيل و أحضان و ما شابه ذلك ، كنا نمارسها في معظم الأحيان تلقائيا و بدون تخطيط أو شعور ، إِلا فيما نَذَرَ.
يباغتنا فجأة ، و نحن سابحون في معترك اللحظات و تداخل الانشغالات ، وجهُُ مألوفُُ ، و ليس شرطًا أن يكون محبوبًا ، فنبادر إلى مَدِّ يدنا إلى اليد التي تكون قد مُدَّتْ إلينا و في نفس الآن و اللحظة و...حين تتلاقى و تتشابك و تتصافح اليدان في تلك اللحظة بالذات و في ذلك المكان بالضبط تكون قد فُتِحَتْ أبواب و شُيًِدَتْ و عُبِّدَتْ طرق سَيَّارة ذات اتجاهين و ولدت نجمتان توأمتان في اليدين المُتَصآفِحَتَيْنِ...في كل يد نجمة تبحر بسرعة الضوء و أكثر مع سريان و شريان نهر دَمِ اليد الأخرى إلى رحم الروح ، القلب...حيث تقدم أوراق اعتمادها كسفيرة لقلب اليد التي ولدت فيها...ترهن نفسها كضمان للوفاء المطلق و كعنوان للمحبة الخالصة...
هنا...يُقَدَّمُ عربون أجمل و أصفى العلاقات الانسانية ، و التي قد تمتد طول العمر و لا تنتهي بموت طرفي العلاقة ...فَقَدْ تبقى علاقتهما مضرب الأمثال ، و قد يورثون علاقتهم الجميلة هذه إلى أهليهما فتعيش هَذِهِ العلاقة فصلًا جديدًا وَ حياةً أطول زمنًا و أعمق صدقًا عقودًا بعد وفاة طرفي العلاقة الأصلييان، الآبآء المؤسسيين ...علاقاتُُ هِيَ الثقة، و الوفاء، و كذلك قمر الروح و زهر الكون و مسك الوجود: الحب...
عربون الأشياء الجميلة هذه كلها، و التي هي أجمل ما في الوجود الإنساني كله ، لا يُقْبَلُ و النجمة لا تُعْتَمَدُ سفيرة اليد و القلب المُصَافِحَيْنْ إلا بعد أن يتم التصديق و القبول من طرف العين ...نعم مرَّةً أخرى و دائمًا و إلى ما بعد نهاية الأزل...العين
العين...آلة الرؤيا ..و مانحة و قابلة الوجود هي من يصادق على صدق رسالة النجمة و هي من يُصَدٍّقُ او يكذب حرارة الدم المنساب المتشابك و المنصهر مع دمها لحظة المصافحة و وهلة الرؤية ...
و حكاية اختصاص العين بالمصادقة على صدق و عمق مشروع المصافحة ، هذه بالذات عندي معها قصة و دفعت منها بعضًا من نفسي لكني تعلمت منها و بها إرتقيت
القصة حصلت منذ سنين حين كنت شابًا يافعًا، و كان الوقت عصرًا و صيفًا و كنت و أصدقائي نلعب مقابلة كرة قدم ودية مع فريق هاوٍ آخر. و كان هناك في الفريق المقابل لاعب أسقطني أرضًا عمدًا مرتين أو ثلات، رغم أنني أفشل لاعبي فريقي و العنصر الذي لا يمكن أن يشكل أي خطر على فريقهم إلا في حال تحليقهم أجمعين الى بلد آخر في تلك اللحظة و ترك شباك فريقهم فريسة سهلة لمهاراتي الكروية الجد منعدمة.
ما علينا في المرة الثالثة التي أسقطني فيها صاحبنا هذا أرضًا وَ بخشونة أكثر و رعونة أشد إسْتَشَطْتُ غضبًا و ألمًا ، و إذا بغريمي الكروي يهرول راجعًا صوبي معتذرًا وَ...يده ممدودة نحوي ليساعدني على النهوض و كذلك ليستسمح مني. ناولته يدي ، لا لأسامحه ، و لا لِكَيْ يساعدني على النهوض ، بل فقط لأنني لم أرد أن أترك يده ممدودة هناك كرسالة بدون قارىء ...و معلقة في فضاء الفراغ كسفينة بدون مرفأ...
مددت يدي نحو يده و عيني عنه موشحة ، فتصافحت الأيدي وليس القلوب و تشابكت الأصابع و ليس الأرواح...و هنا...هنا قال غريمي الكروي إلى تلك اللحظة و صديقي العزيز منذئذ ٍ قولته التي ما زالت ترن في أذني إلى الآن. قال صاحبنا بَعْدَ ان ساعدني على النهوض و قد أحس من خلال عيني التي لم تبادله النظر لحظة المصافحة :
" لا تصافح شخصًا اذا لم تقدر على النظر في عينيه"
غني عن القول أننا صرنا ، أنا و غريمي هذا بَعْدَ هذه الواقعة الكروية، أصدقاء...فقد مددت يدي صوبه لتصحيح الخطأ و عيني مصوبة تجاه عينيه و تصافحنا بمعنى و حرارة...و صداقة.
المصافحة هذه يَا سادتي، التفصيل الميكروسكوبي الصغير في حياتنا السابقة و عالمنا الراحل ، قد تبني علاقاتٍ و تشيد أسرًا ، و تُلَيِّنُ قلوبًا...و قد تمنع حروبًا.
قيل، و العهدة على القائل ، أن ، منع الحروب هذا هو ما كان يدور في خلد يوليوس قيصر حين إِسْتَنَّ هذه العادة ، المصافحة و باليد اليمني خصِّيصًا، و فرضها على جنوده أولاً و بعدها شاعت بين الناس لاحقاً . وَ يقال، و العهدة دائما على القائل، أن يوليوس قيصر هذا كان أشول ، و لهذا كان يهدف، و هو القائد العسكري الثعلبي، أن يضمن أن يده اليسرى دائمآ على سيفه و أبدًا جاهزة لصد أي هجوم أو مباغتة.
أينك يا غايوس يوليوس قيصر لترى ما فعل الغازي اليوهاني بنا...حرمنا من متعة التواصل ، و منعنا من نعمة التفاعل العفوي المباشر ...و جَرَّمَ سُنَّتَكَ ، المصافحة...و بعدها سَلَّمنا Delivery إلى أقرباءه القدامى و حلفاءه الجدد ، اغنياء الأزمات و أمراء الظلام ...لِيُكَمِّمُونَا و يمنعوننا من التفكير و من ثم الكلام و بعدها يصادرون حقنا في أن نحلم أو حتى في أن نتوهم غدًا أعدل و أجمل...وَ أخيرًا ليستفردوا بنا كما استفردوا بك أيها القيصر و استدرجوك، عاريا من أَيِّ سلاحٍ ، و اغتالوك غدرًا مع تباشير الزهور و بدايات الربيع و في قلب الكابيتول...
وَ...كَانَتْ آخِرَ وَ أَقْتَلَ طَعْنَةٍ تِلْكَ التِي تَلَقَّيْتَها...مِنَ الخلف
رُغْمَ هذا كله ،
لدي شعور غريب بالتفاؤل أنه ربما...
ربما ...في الجولة القادمة مع أمراء الظلام المسنودين من طرف قريبهم البعيد و حليفهم الجديد، اليوهاني المستجد ...
في المبارزة الآتية مع “The Men of Always” "رجال كل العصور" كما سماهم ذلك المتمرد المُتَمَجْرِمْ بابلو إسكوبار،
...سيكون ظهري محميا على الأقل
من الطعنة من الخلف...
...إني أرى يدًا تمتدُّ و تُسارِعُ لِتَصُدَّ الطعنة عن ظهري...
قد عرفت صاحبها من وفاءها...
لَقَدْ تَصآفَحْنَا ذآتَ يَوْمٍ...
Post A Comment: