الفلسفة ممارسة حياتية لا تحتاج لكاتب بارع لتدوين  تجربته وممارساته الحياتية في قوالب لغوية جميلة تستهوي الباحثين من القراء عن جمالية السرد واللغة الوصفية ذات التعابير الأخادة، وإنما هي تجربة تفكيرية معاشة يتحرر فيها الفكر من قيود اللغة وسلطة الكتابة، غير أن العديد يسعي وراء الكتابة لتخليد تجربة فكرية معاشة ليست الغاية منها الخوف من موت الفكر و إنقاذ التجربة المعاشة من النسيان وإنما رغبة جامحة في الكتابة وتخليد الأثر. 
بهذا المعنى تصبح الكتابة فعل اغتيال للفكر وليست ممارسة تفكيرية الغاية منها نقل عوالم الفكر وتجديد مشاربه للارتواء من نبع الحكمة، وتقديم تجربة فكرية معاشة في صورة حية. هنا يكون المبدع يستعمل الكتابة لقتل الفكر واغتياله دون أن يشعر بذلك، فسلطة اللغة وضوابط الكتابة وهاجس القراء أشياء تقف أمام الكاتب حين يحاول نقل تجربته المعاشة فمحاولة تدوينها يكون بصدد اغتيال الفكر دون أن يدرك ذلك؛ فهو يكتب لقارئ مفترض عليه انتقاء كلمات بدقة تعبر عن الفكر وتعكس التجربة المعاشة ففي فعل الاختيار هذا تتدخل سلطة اللغة للف الفكر وتعلبيه  بعبارات سردية جميلة تستجيب لتناص النص وهنا يكون الكاتب بدأ في عملية الاغتيال الرمزي معلنا عن الموت البطيئ لعوالم الفكر الحي وتجربته المعاشة حين ينجز نصا يعتقد أنه الصورة الحقيقية لتجربته الفكرية الفريدة. إن حصر تجربة الفكر في مؤلف تحمل معالمه كبسولات لغوية وتعابير جمالية موت للفكر وتحنيط لتجربة تظل على حالها  كمعلمة تاريخية تتقادم في الزمن؛ موت يقود لتحول جدري في التجربة الفكرية هنا يكون الكاتب قد ارتكب فعل خيانة، خيانة فكره دون أن يشعر بذلك فسلطة اللغة تحجب فعل الخيانة.
لقد كان سقراط رافضا للكتابة فالتجربة تلف الفكر بالغموض ويحيط به سديم وعماد ضبابي  نتيجة خضوع الكاتب لسلطة اللغة التي تفعل فعلها في غفلة من الكاتب فتحنط الفكر بخلطة البلاغة وسحر الكلمات...
العالم قبل الكلام كان غارقا في الصمت ليس لأن الناس لا تتحدث لغة أو عدم قدرتها على الكتابة لكنها ربما أدركت أن الكلام يعجز عن التعبير عن الفكر ونقل تجارب الناس فلجأ الناس للرسم والنقش تخليدا لتجاربهم الحياتية ونقلها ببساطتها للأجيال القادمة دون الحاجة لكبسولات الكلام وقواعد اللغة.
إذا كانت الكتابة تلف الفكر الحي بالغموض وتركتب جريمة اغتيال تجربة معاشة فهل الترجمة قادرة على نقل تجربة معاشة من براديكم لغوي لساني إلى الآخر، أليست الترجمة بداية نهاية التجربة المعاشة بمعنى بداية موت الفكر الحي لأن الفكر الحي في الحقيقة غير قابل للترجمة......





Share To: