كلما تعاقبت علينا الأيام، أدركنا تفاهة و سطحية الشكليات التنميقية، و لم تعد تحظى كل تلك المظاهر الخداعة بنفس الإهتمام و لا نفس البريق...فيكثر إنشغالنا بمضمون الأشياء، و جوهرها...أكثر من قشورها و مظهرها الخارجي...فلا أكذوبة العلامات الموقعة تستهوينا و لا خداع طلاءات الوجوه تنسينا حقيقة أصولنا، التي لم تكن قط من الأصل  تستهوينا... إلتصقنا بمرارة الواقع... و بكل عفوية و بساطة سايرنا يومياتنا.... التي أحببناها بنمطيتها و تناقضاتها و تقاطعاتها...
فكلما تعمقت في دولب الحياة و تأملت مسيرتها، إستوعبت  سخافة الزيف و المزيفين و هول مطامع و جشع الإنتهازيين و الوصوليين... قد تمنحك هذه الحياة فرصة لقاء الأمناء، البسطاء، الطيبين، الصادقين... و قد يعترض سبيل يومك مجموعة من المنافقين و المتواكلين... الذين ينظرون للحياة بلسان فلسفي قيمي و على واقع الحال يجسدون أفعالا مشينة، لا تحترم القيم و لا تلك المباديء المحمولة في خطابهم اليومي و لا في شعاراتهم، و يكثرون الحديث عن الحق... الحق...الحق و يتناسون الواجب و ما أدراك ما الواجب و إلتزاماته...الكل يريد المقابل المتفق عليه، و لكن دون مساءلة الذات بضمير حي، من خلال :
*) هل الإستحقاق قائم؟؟؟
*) و هل تم إحترام شروط التعاقد و الإلتزام بالإنجاز الفعلي للعمل المتفق عليه، لنيل ذلك المقابل المحدد؟؟؟
للأسف، لم نعتد على ربط الحق بالواجب و لا المسؤولية بالمحاسبة...و عندما، يصيح الفكر المسؤول بتنزيل هذا النسق الفكري، على أرض الواقع، يتوجس منه الجميع خيفة و يعرقل تطبيقه الكثيرون...بل تنعث هاته القاعدة بأنها ناشز وتستمد مرجعيتها من فكر معقد و لا يستند على قواعد إنسانية صرفة، بحيث يلزم الأمر، الطرف الملتزم بإنجاز العمل بتقديمه على علته، كما تم الإتفاق عليه، دون مراعاة الظروف الخاصة للمتعاقد...هاته الظروف التي كثيرا ما تستعمل كذريعة و مبررات يختبأ وراءها كل مستهتر، غشاش...أو إنتهازي للفرص قناص بحيث، لم يجعل هذا الأخير، المبدأ بوصلة أيامه، و فضل التستر وراء خيباته، و تحميل الطرف الثاني المتعاقد معه أسباب إخفاقاته...لأنه لم يترب في تعليمه و لا في بيته على أنه إن لم يكن في مستوى المهام الموكلة إليه، فمن الأجدر الإنسحاب و تركها لذوي الإختصاص و ما أدراك ما الإختصاص!!! هؤلاء القلة  الذين عاشوا كل حياتهم بضمير و أحبوا مهماتهم المهنية لدرجة الوله و التصوف و التوحد معها...و بحثوا عن الإثقان في الإنجاز و إدراك الحصيلة المتكاملة، لدرجة ملامسة تلك النشوة المعنوية الغريبة و الإستثنائية التي قد تعزز و ترفع من معنويات العامل أو الموظف أو المسؤول أو المقاول المواطن لدرجة، قد لا يتساءل معها عن المقابل أو الربح المادي، الذي يبقى ضروري أكيد، إلا أنه حينها يكون فعليا مستحقا مع تقديم الشكر الجزيل، و لما لا تعزيزه بمنحة تشجيعية و تحفيزية، لفتح باب التنافسية بغية إستئصال الكسل و الإتكالية...و فتح باب الإجتهاد على مصراعيه، ليبدع الجميع، و يتعاطى كل واحد مع  مهمته العملية بذلك الحب المطلوب...و بتلك الهمة المأمولة...و بذلك الحماس المتوقع...
كم من إطار في التعليم، يرجع عدم قيامه بواجبه إلى هزالة المقابل المادي المتلقى، و يفضل بيع الواجب المفروض إنجازه داخل الفصل، في ساعات دعم مؤداة...في إبتزاز غير مشروع لآباء و أولياء تلاميذ الكثير من المؤسسات التعليمية دون ضمير...هاته الأخيرة، التي من باب المفروض أن تشكل رافعة تكوينية لمواطني و جيل المستقبل...و في مقابل هؤلاء، تجد، نماذج أخرى من المؤطرين، تضحي بكل ما تتوفر عليه من طاقة مادية و معنوية، لإيصال المعلومة، و تكوين الناشئة، مع تقديم النصيحة و الإنشغال بظروف تلاميذتهم، و الإنزعاج لغيابهم...دون إخضاع المأمورية لحسابات الأنا الضيقة و لا لنزوات النفس الشريرة...و لا لمفهوم النفعية المبتذل...بل قد تجدهم، يقدمون دعما للكثيرين، دون مقابل...و يلحون على مدراء مؤسساتهم بمنحهم فرصة القيام بذلك داخل بنايات المدارس و الإعداديات و الثانويات، خارج مواقيت العمل أو أيام العطل...تضحيات قليلا ما يتم الحديث عنها أو التنويه بها...أو الإشارة إليها في تقارير الأكاديميات التي قد لا تضطلع بدورها على المعطى لندرة سهرها الجاد على مستوى المردودية المرغوبة...و قد لا تهتم للوضع البنيوي للكثير من المؤسسات التعليمية التي لا تتوفر على أدنى شرط سليم يبرهن على أنها مدرسة، سوى ذاك الإسم الذي يوضع على الجدار المتأكل للمدخل، مع كامل الأسف... 
كم تمنيت، لو حظي أطر التعليم ببلادي بذلك الإهتمام الخاص، الذي يليق بمهمتهم الجسيمة، من خلال تأذية الأجر الواجب، مقابل العمل الواجب...و كم تمنيت لو أن المؤسسة التعليمية العمومية المغربية و العربية، كانت هي مشتل المنشأ، للتربية و التكوين الحقيقي لأطباء و مهندسي و قضاة و محامو و موثقوا و وزراء و موظفوا و مقاولوا...البلاد...بدل خوصصة القطاع، الذي بيع بأكمله و بيعت معه بالتالي جل الضمائر الحية...أو صودرت كرها أو قهرا... 
لا أدري، إن كان هناك من يشاركني حلمي هذا، من خلال تضريب القطاع الخاص في التعليم بأعلى معدل، ليتراجع بذلك مستثمري إملاءات و شروط البنك الدولي و صندوقه النيوالإستعماري الجديد...أولئك الباحثين عن الإستغناء ببؤس شعوبهم و محيطهم، لنعيد بذلك للمدرسة العمومية بريق إشعاعها و حظوة إعتبارها...و لكي ينطلق البناء الحقيقي لمجتمع المبدأ و القيم...الذي أعدم دون رحمة بمخططات الإمبريالية المتوحشة، الطامعة في التحكم في العالم برمته... وتسييره وفق أهوائها و إستراتيجياتها الإستعمارية الجديدة...و من المؤكد عندها أن الجميع سينخرط في الإصلاح البديهي لهذا الوطن، الذي غزته الأنانية الجوفاء و الانتهازية الرزماء...
لك الله يا وطني الغالي ياوطني... 







Share To: