من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
كان الناس فيما مضى يسمعون كثيرا عن التائبين ، وكان ذلك أمرا عاديا ولكن ولشديد الأسف الآن صار من يعلن توبته وأوبته غريبا ، وكأن الأصل عند الكثرة هو اعتياد الحرام .
لهذا ترى كثيرا من الناس ينظرون للتائب من الحرام نظرة احتقار ، ويصفونه ب الدروشة والتخلف " .
فهل التائب من الذنب سيعوضه ربه عن كل ذلك ؟
والجواب :
أبشر أيها التائب المخلص لربه المقبل عليه المنيب إليه .
أبشرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه .
رواه أحمد
أبشر أيها التائب بعوض الله لك بشيء من جنس الشيء المتروك في الدنيا ...
يقول ابن القيم مبشرا التائبين :
" وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه : حق ، والعوض أنواع مختلفة ؛ وأجلّ ما يعوض به : الأنس بالله ومحبته ، وطمأنينة القلب به ، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى " .
" الفوائد " (ص107) .
ومن أمثلة العوض في الدنيا ، ما ذكره ابن القيم في كتابه " روضة المحبين " (ص445) :
" لما عقر سليمان بن داود عليهم السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر ، حتى غابت الشمس : سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد .
ولما ترك المهاجرون ديارهم لله ، وأوطانهم التي هي أحب شيء إليهم : أعاضهم الله أن فتح عليهم الدنيا ، وملكهم شرق الأرض وغربها " .
ولو اتقى اللهَ السارقُ ، وترك سرقة المال المعصوم لله : لآتاه الله مثله ، أو خيرا منه ، حلالا .
قال الله تعالى :
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب .
فأخبر الله سبحانه وتعالى أنه إذا اتقاه ، بترك أخذ مالا يحل له ، رزقه الله من حيث لا يحتسب " .
أبشر أيها التائب :
فإن لم يفتح عليك في المال ونحوه ، قد يرزقك الله تعالى درجة عالية من الإيمان واليقين والرضى بما يقدره الله تعالى
كما قيل لبعض الزهاد وقد رئي في هيئة رثة :
من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأنت تركت الدنيا فماذا عوضك الله !
فقال : الرضى بما أنا فيه .
صفوة الصفوة" (2/397) .
أبشر أيها التائب :
بعوض الله لك في الآخرة ، فإن من ترك شيئا لله عز وجل أثابه الله ، وثواب الآخرة مهما قل ، فهو أعظم من الدنيا كلها مهما عظمت .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله :
" فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا : لا يساوي ذرة مما في الجنة" .
"فتح الباري" (6/14 ) .
وقال السندي رحمه الله في "حاشية ابن ماجه" (1/356) :
" ذَرَّةٌ مِنَ الآخرة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" .
أبشر أيها التائب ، واستمسك بالحق ، ولا تحزن ، ولا تضجر من كلام الناس ...
روى الترمذي (2669) عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ : دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَىِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا .
حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (718)..
وأهل التقوى والبصيرة يهمهم عوض الله لهم في الآخرة والدنيا ..
احذر أيها التائب من وساوس شياطين الإنس والجن ، ممن يوسوسون لك بأن التوبة ستكون سببا في ضياع مستقبلك الدنيوي .
احذر أيها التائب من قطاع الطريق ، ممن يبغونها عوجا ، وإياك واتباعهم ...
تيقن أن الرزق ، والعطاء ، سواء ابتداء ، أو جزاء ، معلق بمشيئة الله جل جلاله :
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا .
الإسراء/18-20 .
تيقن أيها التائب في وعد الله ورسوله لك ولأمثالك .
فعن أبي أمامة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :
نفث روح القدس في روعي :
أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ؛ فأجملوا في الطلب ، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله ؛ فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته .
أيها التائب أبشر ، وأقبل على الحق ، وتأكد أن الله لا يخلف وعده ، ولايسلم أوليائه وهو سبحانه أكرم من أن يعذب عبدا أقبل عليه تائبا منيبا مخبتا .
أيها التائب للتوبة الصادقة شروط وضوابط اتبعها ، ولا تتبع أهل الغي ، ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ..
أبشر أيها التائب فالتائب حبيب الرحمن ، قريب من النبي العدنان ، ولي من أولياء أهل الإيمان ، عدو للشيطان ..
يا أيها التائب احذر المقارنة والمقايضة مع ربك ، فإن ابتليت في أول الطريق فهذا أمر طبيعي لاختبار صدقك ، وتخليص إخلاصك .. فاثبت ، فمن ثبت نبت ..
أيها التائب في المجتمع الاستهلاكي تُفتعَل احتياجاتٌ هامشيةٌ وحتى عبثية، ويختلّ سُلّمُ الاحتياجات ، فيمسي ما هو ضروريٌّ هامشيًا وما هو هامشيٌّ ضروريًا .
تُنسى الاحتياجاتُ العميقة ، وتحتجب حاجةُ الإنسان للمعنى وللقيم السامية ، ويتدجّن الإنسانُ ويُدمِن النمط الاستهلاكي المادي المُنطفِئة فيه جذوةُ الحياة الأصيلة، فيموت الإنسانُ داخلَ الإنسان ، فاحذر الاستجابة لضغط الواقع ..
وأخيرا :
أحث أهل الإسلام أن يساعدوا ويساندوا التائبين الصادقين ، كي لا يستدرجوا مرة أخرى لمزالق الشياطين وهذه نصيحة عملية ، نرجو سماعها بنية العمل والتنفيذ ، وابدأ فور السماع في العمل بيقين في الله .
Post A Comment: