يقف حشد من المتظاهرين على رصيف وهم يصيحون و يصرخون و يكيلون كثيرا من المطالب التي ليست لها معنى، و لكن قد يكون لها معنى لدى كل صائح.
تتردد فقط نفس الكلمة، تلبت رنانة في الأذان "نطالب" "نطالب"!.
وسط الحشد ظهر أحد الصحفيين و يتبعه صاحب الكمرة وهما يبحثان عن فريستهم. لقد ظهر في وقتنا هذا أشباه هؤلاء النسور القابعة، يتربصون وهم تابتين على بحثهم عن جيفة ليأكلوا كل لحمها. تكون العملية سهلة، فقط حاول أن تجد أبلهاً يريد أن يظهر في الكاميرا و تكيل مكيالاً من الأسئلة ليست ذا جدوى -وبالطبع لن يجيب عليها الجيفة- و هكذا تنشر مقطع الجيفة و هو يظهر فيه غبائه. و في الجانب الأخر يكون نوع آخر من النسور التي تتأطر في نفس الفصيلة البازية آكلة الجيفة، ما إن يرى جيفة بلهاء حتى يبدأ ينشأ عليها نكتاً و الكثير من السخرية إلى ما لا نهاية. ينتهي كل شيء عندما يفرغ حشد النسور من أكل كل قطعة من الجيفة، هكذا الأمر.
بدأ الصحفيّان في بحثهم وسط الحشد عن الأبله حتى وجدا مرادهم.
قرروا أن يكلموا أحد الأشخاص الذي رأوه خارجا عن المجموعة، و هكذا ظنوا أنه لن يكون على علم بسبب المظاهرة.
الصحفي : لماذا أنت هنا، ما سبب الإحتجاج؟
المتظاهر 1 : (لم يعلم من أين جاء هذا الشخص الفضولي صاحب المكروفون و بماذا سيجيب، ينظر حواليه يهز أعينه فوق اللافتة التي في يديه يراها فارغة، يجول بعينيه على لافتة أخرى، لا يوجد فيها شيء، فارغة بيضاء بدون أي نقطة حبر. يحاول أن يستمع لمطالب الحشد، تتردد في أذنه فقط: "نطالب" "نطالب".
المتظاهر 1 : (يجيب و هو يحاول الهروب من وضعه) : هل سأظهر في الشاشة، و أي قناة، هل وجهي سيكون ظاهرا، أظن لو أردت عدم إظهاره سيكون مطلبي متحقق و إلاّ لن أتكلم.
الصحفي : لك ذلك.
المتظاهر 1 : في الحقيقة إن سبب احتجاجنا لهو .... فقط بسبب المعيشة و كذلك نحن نطالب بذلك الذي هو مكتوب هنا.
الصحفي : إن اللافتات فارغة!
المتظاهر 1 : نعم، فنحن نطالب باللا شيء ..
يظهر وراء المتظاهر 1 شخص آخر؛ المتظاهر 2 بعد أن سمع كلام رفيقه قال مؤيدا
المتظاهر2 : نعم، إننا نطالب باللا شيء.
وفي الحقيقة فمطلبهم مقنع، لأن اللا شيء هو مطلب كبير، مطلب لن يستطيع أي أحد أن يطلبه، فكما يعلم الكل هناك دائما و في أي عصر و في كل مجتمع طبقة تطلب و طبقة تلبي الطلب، هناك من يطلبون و آخرون يتجاهلون المطالب و لكنهم يرمون بقليل من الفتات لمن هم في طلبها، و هناك من يرى أن لو أعطيت إلى ذلك الحشد الصاخب من المحتجين مطالبهم فهم سيريدون مزيدا، و هكذا بدون أي توقف. وفي أحد المرات ظهر هناك فيلسوف ما و أعطى مسميات لكل طبقة، قال : هناك "بروليتاريين" كادحين معنفين و مقموعين و قيمتهم في كونهم يشتغلون، و هم الذين يطلبون. و هناك "البرجوازيين" الذين خلقو فقط ليعيشوا برفاهية و هم يستمعون لكل تلك الطلبات و هم من يلبوا طلبات الطبقة الأخرى. و لكننا في عصرنا هذا لم يعد هناك أي قيمة إلى كل تلك المسميات، و كما قال "بيسوا" بعد صرخة يائسة (لست ذا شأن)، كذلك كل تلك المفاهيم و الأسماء قد صارت تندد و هي صارخة : لسنا ذا شأن.
رأى الصحفي في جواب المتظاهرين أنه صحيح، فمطلبهم للاشيء كونه غير محدد، أي أن اللا شيء سوى تردد لكل شيء، و هذا مطلب يدل على عمق المحتجين.
لم يتوقع الصحفي أن يكون لذلك الجيفة الأبله جواب لسؤاله، و لذلك قرر أن يدعن و يعود إلى مقره أو أن يجول في الأزقة بحثا عن جيفة ما، ربما سيجد هناك أرزاق ربما.






Share To: