الإزعاج الموسمى لفتوى تهنئة النصارى في مصر
اعتادت طائفة في مصر منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين طمس الهوية الثقافية لسكان مصر وإلغاء العمل بقاعدة العرف، وفرض الوصاية على غيرهم بمن فيهم علماء الأزهر، وقد ترتب على فرض الوصاية ظهور عدة مظاهر توضح التشدد وتؤدي للشحناء في المجتمع بل الشحناء داخل الأسرة الواحدة.
ومن مظاهر تلك الوصاية إعادة نشر الفتاوى في مواسم بعينها، ومن ذلك:
1= في غرة شهر ربيع الأول من كل عام: أن الاحتفال بمولد النبي –صلى الله عليه وسلم- بدعة
2= في شهر رمضان من كل عام: فتاوى وجوب إخراج زكاة الفطر حبوبا، وقولهم أن من فعل غير ذلك لم يجزئه إخراج القيمة.
3= في غرة شوال من كل عام: أن الصيام لرؤية الهلال فقط، لا للحساب الفلكي، ومن ثم أفطروا منذ 15 سنة قبل إفطار الناس في مصر، وصلوا العيد بمن ينتسب إليهم في الميادين، بينما الناس صائمون وفق بيان دار الإفتاء بعدم ظهور هلال شوال، وكان ذلك في سنتين اثنتين، حتى كان الانشقاق داخل الأسرة الواحدة، فمنهم صائم ومنهم مفطر، وضاع بهاء العيد وغابت بهجته باسم الفقه!!!، ثم في السنة الثالثة والرابعة كانوا يفطرون سرا ثم يقيمون صلاة العيد في اليوم التالي، ولما وجدوا الأمر سيحدث صداما –لا محالة- مع الجهات الأمنية ومع ولي الأمر ومع الناس توقفوا عن تفعيل تلك الفتوى.
4= مع آذان الفجر في كل يوم: ينكرون صحة توقيت وقت الفجر المعمول به في مصر، وكانوا منذ عشر سنوات يؤذنون بعد آذان كل المساجد بحوالي 12 دقيقة، ويعتمدون ذلك التوقيت في الإمساك أيام الصيام، ولما أحدثت تلك الفتوى بلبلة وشقاقا في المساجد وعداء بين المؤذنين أصبحوا يؤذنون مع بقية المساجد، ثم يتأخرون في الإقامة، فحتى كتابة مقالتي تلك في 1يناير 2021 ما زالوا يصنعون ذا ت الصنيع، إذ نكون قد صلينا وقنتنا وختمنا الصلاة وخرجنا من المسجد ثم نسمعها يشرعون في إقامة الصلاة.
كل ما ذكرته عبارة عن مقدمة لابد منها للوقوف على تخريجهم للفتوى الرابعة في مواسم أعياد المسيحيين في مصر، إذ يقولون بتحريم تهنئتهم ؛ وأن ذلك يخالف عقيدة "الولاء والبراء".
وأنا في هذا المقال العلمي لست بصدد تخريج فتواهم أو نقدها، فمواقعهم الرسميةعلى شبكة النت مليئة بالفتاوى وتخريج نصوصها، وكذلك مواقع الأزهر والإفتاء التي تقول بالإباحة وتفند فتاوى المتشددين والمانعين.
ولكني أكتب هذا المقال لأوضح عدة أمور فقهية ومعرفية، لكي نكف عن تلك الفتوى بعينها، وبخاصة أنها تجد صدى واسع المدى لدى أتباعهم، وبخاصة أنها تحدث شقاقا في المجتمع يشبه شقاق صلاة العيد وزكاة الفطر وصلاة الفجر المشار إليه آنفا.
الأمر الأول: من آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: التواضع والإخلاص واحتساب الأجر من الله، ولكن تلك الفتاوى يلازمها منهم دائما الكبر، وتكفير المخالف أو تفسيقه، واحتقار العلماء المخالفين لهم.
الأمر الثاني: كل النصوص التي يستدلون بها صحيحة: ولكن (النص صحيح والفهم باطل)، فكل الجماعات المنحرفة عبر التاريخ الإسلامي لم تنحرف إلا بنص، فالذين يكفروننا يستدلون بقوله تعالى "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، والذين قتلوا على بن أبي طالب –رضى الله عنه- استدلوا بقوله تعالى "إن الحكم إلا لله"، وحينما هدم الحجاج بن يوسف الثقفي الكعبة هدمها بنص حديث أنس، وهكذا.
الأمر الثالث: نقول للمانعين نشكركم أن هذا منهجكم في تفسير النص، ولكن "ما على الرسول إلا البلاغ"، وأنتم قد بلغتم فلكم الأجر، أما التطاول على المجتمع وعللى العلماء المخالفين لفتواكم فهذا ينافي آداب الفتوى، وآداب طالب العلم.
الأمر الرابع: لقد زرع شيوخ تلك الطائفة في نفوس شبابهم أنهم هم الأعلم والأتقى وأن مفاتيح الجنة معهم، وغيرهم عبارة عن (ترزية فتاوى) و(علماء السلطان)، وغير ذلك من أشباه تلك المصطلحات، بل وصلت الجرأة إلى التحذير من مخالفيهم من علماء الأمة  من السلف أو المعاصرين؛ وذلك في كتب تحمل عنوان (التحذير من....) أو (الرد على .....) أو (السيف المسلول على....) أو (السيف البتار في الرد على ....) أو (السيف المنكي في الرد على .....)، حتى وصل الأمر إلى تضعيف أحاديث في الصحيحين، والتحذير من العقيدة عند ابن حجر، وعند السبكي وابن السبكي وأبي حامد الغزالي ، وهكذا، بل ربما تصل الجرأة إلى حد القتل، كما فعلوا بالشيخ محمد حسين الذهبي.
الأمر الخامس: من هذا المنطلق الرابع يحمل شبابهم نفس الفتوى فينقلونها في المؤسسات التي يعملون بها ومواقع التواصل التي يتعاملون معها.
الأمر السادس وهو الأخطر: ما نسميه (فقه المآلات)، فربما تكون فتواهم في المنع صحيحة -ربما- ولكن مآلاتها تنذر بالخطر، وهذا لا يدركه إلا من كمل تصوره المعرفي بالمجتمع الذي تصدر فيه الفتوى، واتسعت ثقافته لتشمل الزمان والمكان، ولم يكن من العاكفين على حفظ النصوص بلا فهم، وتظهر تلك المخاطر في الهند، التى انقسمت بسبب الفتنة الطائفية إلى أربع دول، والسودان التى انقسمت لذات السبب إلى دولتين الشمالية للمسلمين والجنوبية للنصارى، وما زالت النار تحت الرماد بينهما، وما أمر لبنان منا ببعيد منذ ما يقارب نصف قرن من الفتن.
الأمر السابع: هذا الفتاوى التي تنتشر في مواسم أعياد النصارى بتحريم تهنئتهم، هى نوع من أنواع الاحتقار الذي ينقلب إلى غل ثم إلى عداوة ثم إلى تنابذ بالألسنة، ثم بالأيدي ثم بالسلاح، فأكبر النار من مستصغر الشرر.
الأمر الثامن: أن كل من عاش في مصر –مسلما كان أو مسيحيا- هو من المحبين لدينه محبة صادقة، فالمسيحيون في مصر من أكثر المجتمعات المسيحية في العالم تدينا، ويكفيك نظرة واحدة إلى أن الكنيسة في الغرب لم يعد لها سلطان روحي على الناس، إذ ظهرت المثلية والإلحاد وغيرها من مظاهر الانحراف الديني والعقدي في صفوف المسيحيين هناك، والذين يختلطون منكم بالمجتمعات الغربية يعلمون أن أغلب (النكت) من قبيل الاستخفاف بالمسيح وأمه –عليهما السلام-، ولكن المسيحي في مصر ما زال محبا لدينه محبا لوطنه؛ إذ لا تدعو المسيحية إلا إلى مكارم الأخلاق، فهى دين سماوي. حتى المسلم الذي لا يصلي في مصر ولا يصوم هو محب ، فتفريطه عن جهل بالدين لا عن إنكار أو جحود.
الأمر التاسع: أن الدولة التى استورد منها المانعون هذه الفتوى منذ 45 عاما لا يعيش فيها إلا المسلمون سواء المواطنون أو الرعايا الوافدون، ومن ثم حينما يتحدثون هناك عن تحريم تهنئه المسلم للمسيحي فلن يترتب على الفتوى أى شقاق في المجتمع، لأنه لا يوجد ولا مسيحي واحد أصلا هناك، وحينما ننقل الفتوى من هناك إلى مصر فلا بد من تمحيصها، فالشافعي حينما انتقل من العراق إلى مصر غير فتاواه، إذ يقولون (قال الشافعي في القديم) و(قال الشافعي في الجديد). ولم يقل أحد قبل 45 سنة في مصر بتحريم تهنئة النصارى أو اليهود –الذين كانوا يعيشون في مصر آمنين محبين لها مطمئنين- ذلك لأن علماء مصر كانوا يتصورون تخريج الفتوى تصورا جيدا وليس تصورا مستوردا. واعلم أن آباء وأمهات المانعين كانوا يعيشون في سلام اجتماعي ويعرفون للجار غير المسلم حقوقه ويهنئونه في كل مناسبه.
الأمر العاشر: القاعدة الأصولية في تخريج الفتوى نصها (الحكم على الشئ فرع من تصوره)، وما ذكرته في مقالتي هذه هو جمع للتصور الجغرافي والتاريخي والثقافي والواقعي للمجتمع المصري، مع الأخذ بقواعد (فقه المآلات).
تلك المقالة لم نذكر فيها أحدا بسوء، فلا نشك في نوايا أحد، وليتنا نتعلم أدب الخلاف واحترام الآخر.
الأستاذ الدكتور: عبد العظيم أحمد عبد العظيم 
  أستاذ جغرافية الأديان
مصر/ جامعة دمنهور/ كلية الآداب / قسم الجغرافيا.
ـ بريــــد إلكترونــي: azeem@art.dmu.edu.eg
ـ بريـــد إلكترونــي:  azeem0355@gmail.com
الفيس  عبد العظيم عبد العظيم
 






Share To: