الكاتب سمير لوبه يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "صاحب المقام"

عَلَىَ أطرَافِ النَّجعِ فِي أرضٍ بُورٍ هِيَ كُلُ مَا تَبَقَّىَ لَه مِنْ عَائلَةٍ أفنَاهَا الضَّنكُ وطَوَاهَا النّسيَانُ ، يَأوِي إلَىَ أطلَالِ بَيتِهمْ الطِّينِي ؛ رُبَّمَا خَفَّفَ عَليه وَطأَةَ شَمْسِ النَّهَارِ المُحرِقَةِ ، أو يَزُودُ عَنْه صَقِيعَ اللَّيلِ القَارِصِ ، يَطُوفُ أنحَاءَ النَّجعِ رُبَّمَا احتَاجَه أحدُهمْ لقَضَاءِ مَالَا يَطِيقُون إنجَازَه فَيُؤدِيه ، ليَحصُلَ عَلىَ أجرٍ بَخْسٍ ورُبَّمَا بَقَايَا طَعَامِهمْ فيُسكِتَ أنِينَ جوعِه ، وإنْ مَرَّ بِجَمعٍ مِنْهمْ لَا يَجنِي مِنْهمْ حَتَّىَ رَدّ السَّلَامِ ، لَا يَلفَظُون اسمَه إلَّا ليَحمِلَ فَضَلَاتِهمْ ؛ يُلقِيهَا فِي أرضِه الفَقِيرةِ لأبسَطِ مَظَاهِرِ الحَيَاةِ ، لَا يَأتِيهَا سِوَىَ كِلَابٍ ضَالَةٍ تُؤنِسُ وحدَتَه ، تَقتَاتُ مِنْ فَضَلَاتِ النَّجعِ التِي يُشَارِكْهمْ فِيهَا أحَايينَ كَثِيرَةً ، أعيَاه طُولُ السَّيرِ والجُوعِ ؛ يَفتَرِشُ الأرضَ التِي تَنفِثُ نَارًا ، يَستَنِدُ لجَدَارِ بَيتٍ تَقتَحِمُ أذُنَيه كَلِمَاتٌ تَتَطَايرُ عَبرَ نَوَافِذِه :

- فِي البَندَرِ "عِلْوَان بِك " صَاحِبُ البَازَارِ هُوَ مَنْ يَتَصَرَفُ فِيهَا 

- وهَلْ صَحِيحٌ مَا يُقَالُ عَنْ النَّجعِ ؟

- هَكَذَا يَقُولُون 

يَخرُجُ أحَدُهمْ مِنْ بَابِ بَيتِه :

- تَعَالَىَ يَا " مرزوق " احمِلْ تِلْكَ الفَضَلَاتِ وارمِهَا بَعِيداً 

- أمرُك يَا رَيس " بدوي "

يَحمِلُهَا " مرزوق " فيُصِيبَ جَسَدَه مِنهَا مَالَا تَطِيقُ أنفُه ، وفِي الأرضِ البُورِ يُلقِيهَا ، بَينَ الرُّكَامِ يَقتَاتُ مَا نَالَ مِنْ طَعَامِ الرَّيسِ " بدوي " والكِلَابُ تَنبُشُ فِي الأرضِ ؛ تُبَعثِرُهَا المُفَاجَأةُ ، يُسرِعُ ليَرَىَ مَا حَدَث ، انهِيارٌ أرضِي وَسَطَ أكوَامِ الفَضَلَاتِ

- مَا هَذَا السُّلَمُ ؟ 

يَنزِلُ بِحَذَرٍ إلَىَ أعمَاقِ الظَّلَامِ الدَّامِسِ تَتَعَثَرُ قَدَمَاه بِشيءٍ مَا ، وفِي البَندَرِ وعِندَ " علوان بك " :

- هَذَا نَصِيبُك فِي العَمَلِيةِ يَا " مَرزُوق " 

وإِلَىَ القَصرِ الفَخمِ المشَيدِ عَلَىَ الأرضِ البُورِ يَأتِي أهلُ النَّجعِ كُلَ الوَقتِ ؛ يَطُوفُون حَولَه ؛ يَنتفِضُون لخُرُوجِه ، يَتمَسَّحُون فِي سَيَارِتِه الفَارِهَةِ وهِيَ تَعبُرُ البَوَابَةَ الحَدِيدِيةَ العَالِيةَ ، يَهُشُّهمْ الحُرَاسُ ، يَلتَقِطُون مِنْ الأرضِ مَا تُبَعثِرُه يَدَاه ، تَلهَثُ ألسِنَتُهمْ بالدُّعَاءِ لِصَاحِبِ المَقَامِ : 

- رَبَنَا يخليك لِينَا يَا " مرزوق باشا " .