حديث الجمعة القدوة الحسنة 33 | بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف 


تابع موضوع بعض خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم
رحمته صلى الله عليه وسلم بالكافرين 
أيها إلقارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن بعض ما اختص الله تعالى به  عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وما ذكرته لك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير  مما اختص الله به البشير النذير دون غيره من الأنبياء والمرسلين وحدثتك بإيجاز عن كونه رحمة للعالمين
واليوم بإذن الله تعالى أحدثك بشئ يسير عن كونه رحمة للكافرين لعلِّى أصل بك إلى اليقين أنه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين 
رحمته صلى الله عليه وسلم بالكافرين
أما رحمته صلى الله عليه وسلم بالكافرين؛ فهذا مما أدهش العالمين، وأعجز فَهمَ الأكثرين!!
آذوه وأدموا قدمه الشريفة وأغروا به سفهاءهم؛ فلما عُرِض عليه إهلاكهم؛ قال: «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» (البخاري ومسلم)!!
☼ قاتلوه، وشجَّوا وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، وكسروا رَباعيته، وقتلوا أحبَّ النَّاس إليه، وألَّبُوا عليه الجيوش لاستئصاله؛ فلمَّا أن أظفرَه الله عليهم؛ رحمَهم، وعفا عنهم، وأحسن إليهم!!
☼ ذلك الموقف الذي أحـار أحـد كبـار المؤرخين الأمريكيين وهو«واشنجتون إيرفنج» فقال: «كانت تصرفات الرســول صلى الله عليه وسلم في أعقاب فتح مكة، تدل على أنه نبيٌّ مرسل، لا على أنه قائدٌ مظفر؛ فقد أبدى رحمة وشفقة على مواطنيه، برغم أنه أصبح في مركز قوى، ولكنه توَّج نجاحه وانتصاره بالرحمة والعفو».
ولم تقف رحمته صلى الله عليه وسلم عند الإعراض عن أذيَّتهم والصفحِ عنهم، والحلمِ عن جهالاتهم؛ بل إنها تعدَّت ذلك إلى مجال أرحب وأفسح، يتجلى في حرصه البالغ على هدايتهم وإنقاذهم من موجبات سخط الله وعذابه، فأرهق في سبيل ذلك نفسه الشريفة، وأجهد بدنه؛ حتى كاد يُهلك نفسَه أسفًا عليهم؛ حتى رفق به ربه و عاتبه رأفة ورحمة به؛ فقال له: " لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (الشعراء:) ٣ وقال له: " فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ( فاطر: ٨) 
☼ وعندما قيل له ادع على المشركين، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» (مسلم).
فأين دعاة اليوم من مثل هذه الشفقة، وتلك الرحمة بالخلق، والحرص على دعوتهم وهدايتهم؟!!
وصدق الله: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران: ١٥٩) 
☼ لقد كان صلى الله عليه وسلم رحمة للبشرية جميعاً على اختلاف أديانهم وأعراقهم، وكيف لا يكون كذلك وقد وصفه ربُّه عزَّ وجلَّ بقوله: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) الأنبياء : ١٠٧
☼ كيف لا يكون كذلك وهو صلى الله عليه وسلم القائل في فضل الرحمة: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (الترمذي )
☼ كيف لا يكون كذلك وهو صلى الله عليه وسلم القائل في وصف أهل الجنة: «وَأَهْلُ الجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ...» (مسلم)
وهذا من  نعم الله علينا وعلى البشرية أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بُعِث بالرحمة للناس جميعا، ورحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمسلمين المؤمنين به أمر معلوم، ـ فهم أتباعه ومحبوه, وهم الذين يعتقدون عقيدته, ويدينون بدينه ـ، لكن رحمته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم تقتصر على المؤمنين، بل شملت حتى الكافرين به، ويؤكد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك بقوله: ( أنا نبي الرحمة ) رواه مسلم.
وعن جرير بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لا يرحم النَّاسَ ) رواه البخاري . وكلمة الناس تشمل كل واحد من الناس، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم، وقد ساق البخاري في باب رحمة الناس والبهائم حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما مِنْ مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة )
وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحاديثه عامرة بصور ومواقف كثيرة تبين رحمته بالكافرين فى السلم والحرب هذا مانتعلمه فى اللقاء القادم إن كان فى الأجل بقية بإذن الله وإن كانت الأُخرى فالأجر من الله مرجوٌ ومأمول 
رزقنى الله وإياكم حبه وشفاعته يوم المثول.





Share To: