الكاتب الجزائري ميموني علي يكتب مقالًا تحت عنوان " الفن بأنامل شباب الصحراء الجزائرية" 


في هذا المقال البسيط المغمور في بحر من نوتات عدة آلات تجتمع في إيقاع واحد تحت اسم موسيقى "البلوز" لست أحاول شد الإنتباه لأول من صنع هذا الفن "روبرت جاكسون" أو "بيسي سميث" أو حتى  "بوكا وايت".

اليوم أحاول أن أعبر بأجمل العبارات التي تحملها ذائقتي الفنية و أذني الموسيقية حول موسيقى خاصة مستأصلة من هذا النوع الموسيقي الرائع والذي تتميز به قارتنا الإفريقية عن غيرها سواء في الأذن أو الكلمات وحتى اللحن المميز الخاص بأبناء الطوارق هذا المجتمع الراقي الذي أسعدني جدا و يزيدني فخرا أني نشأت بين أحضانه ولا يمكنني أن أكون جاحدا لأفضاله علي.

كذلك لن نتحدث عن الأعمدة الكبرى للأغنية التارقية مثيل "أبريبور" و "بامبينو" أو "الجابوني" الذين جعلوا هذا الفن يلامس العالمية و يلفح جمال موسيقاها بأنفاس تتراقص على أنغامها وألحانها الأجساد الأروبية التي لا تفقه في هذه اللغة حرفاً
ولكن آلة الغيتار وهي أساس هذا الفن العريق والراقي لا تعترف باللغات أو اللهجات وحتى الحدود و الإختلافات لأنها تتصل بالروح مباشرة تداعبها ثم تحيل الرعشة للجسد فيرتج رجاُ دون وعي من صاحبه وحتى بلا معرفة لمعاني الكلمات.

هذه الحروف البسيطة وليدة حبي لهذا الفن سأكتب بكل شغف عن فنان أعتبره "فيلسوف" .

فنان شاب إبن ولاية "تمنراست" حين يمسك الآلة تسمعه يقول هذا الفن لم يخلق لأجدادي فقط بل لي نصيب منه و أسلوبي سيحدثكم و ألحاني ستخبركم من أنا.

صيف 2013 في عيد الفطر بالضبط كنت رفقة أحد أصدقاء الطفولة حين زرت عين أميناس بعد غياب 4 سنوات .
كنت أهيم أنا وصديقي على أنغام وكلمات أغنية "Ed Eslegh" 
كانت تلك أول مرة أسمع فيها صوت هذا الشاب حينها.

في تلك الفترة من سني لم أتعلق بهذا الفن بشدة أسمع فقط بضع أغاني أراقصها وتراقصني لكن كنت مولعا جدا بدقة النغمات و كذلك  قوة الكلمات فكانت تتكرر بعقلي دون الحاجة لأن أشغل الموسيقى دافعة إياي في سراديب الخيال حيث أمتع نفسي بحكايات الحب التي يتحدث عنها الفنان في أغنيته.

مرت عدة سنوات كنت مجرد مستمع لهذه الموسيقى التي اغتصبت لنفسها مكاناً بين مقدساتي مثل "الكتابة" و "الرسم" وغيرها مما أحب من هوايات فدفعني ذلك الشغف لشراء آلة 
و تعبت كثيرا حتى تمكنت من إقتناء أول غيتارة خاصة بي لونها "أخضر فاقع" ولأن ذراعها معوجة مُسببة بذلك الإرتفاع العالي للأسلاك عنها وقد جعلت أصابعي يعانون كثيرا دون أن نتحدث عن كميات الدماء التي خسرتها ولكن كان الهدف العزف فقط 
دون تحديد نوع محدد حتى شاهدت فيديو يقول فيه صاحبه عليك أن تتوجه في طريق واحدة وبقناعة وشغف وحب لنوع الموسيقى الذي ستعزفه.

فكرت كثيرا حتى طرق قلبي باباً عميقا بوروحي اسمه "الأغاني التارقية" فكنت أحاول أن أتعلم حتى تعرفت على الخضير                  و أباخمد 
و بدأت التعلم برفقتهما ثم كونت صداقة عميقة مع لخضر الذي شققنا أنا وهو طريقا طويلا به الكثير من الموسيقى  والأغاني التي ألفناها سوية ولازالت مغطاة بالإهمال وكلما عزفنا أغنية ما قلت له لنعزف أغاني فلان Sadam-imarhan 

هذا الرجل يملك صوتاً رخيماً وهادئ يجعلك حين تسمعه ترافق الموضوع الذي بنيت عليه الأغنية من البداية للنهاية بشوق وشغف لا تمل ولا تتردد حتى في إعادة أغنية له ولو مليارة مرة 
 
"فيلسوف" نظرته ثاقبة ترى عمق حبه لهذه الموسيقى وتعلقه بها وصدق مشاعره في تأديتها من عينيه قبل حركت يديه.

يدفعني كثيرا للتفكير هل هو من يكتب الكلمات أم أنها تكتب له خصيصاً فكل ما غناه لا يمكن لغيره أبداً أن يمنحه ذلك الزخم والروعة الفنية كأنه يمسك الكلمات البسيطة جدا في لغة الطوارق ويغلفها بروح الحقيقة ثم يزينها بصوته كما تُزين المرأة ليلة زفافها.

وأنا أكتب عنه أشعر كأني أكتب عن جزء عميق مني أخفيه عن الناس حتى لا تتنازعه مني، بالنسبة لي "صدام" جوهرة ثمينة جدا 
و أحترمه بشكل لا يصدق ليس كوني عاشق و عازف غيتار في الأغنية التارقية على العكس 
هو بشخصيته و هيبته التي لا يمكن لأحد إخفائها جعلني أتابعه بشدة و أتغنى بكلماته و أعزف رفقة صديقي لخضر ألحانه

الزمان أوكييين آد يجن سلانيت .. كلما سمعت هذا السطر من أغنيته يدفع بمخيلتي لفلسفته العميق و إختياره الدقيق لكلماته 
الذين يجعلاني أقول أنه لا يعزف بالغيتارة بل هو يكتب بها 
روعات تفوق الخيال تتغذى بها الروح و يرقص عليها الجسد.

صدام ليس مجرد عازف إنه كاتب ورسام، مصور، مخرج ممثل، ومسرحي جمع كل هذه الفنون و ألقى بين أيدينا فناً من نوع آخر .

كنت في محادثة مع "خطيبتي" أحدثها عنه و أشرح لها بعض كلمات أغانيه بما أني أتحدث "التارقية" قليلا وبما أنها تحب هذا الفن وهذه اللغة هي الأخرى تسمعني بشغف وتأني وفي وسط كلامنا قلت أعتقد يا عزيزتي  أنه يجب الكتابة حول هذا الرجل الفيلسوف عيب عليَ أن أكون "كاتب" ولا تتجمل حروفي بوصف جمال الفن الذي يقدمه لنا.

على أنغام هذا الفنان كتبت روايتي "هيدات ني ودات" لم أترك أغنية له إلا و تغنيت بها كان رفيق الليل، أنيس الظلام 
و خليل النهار كان يزيد إحترامي له كل يوم حتى وأنا أكتب عنه أشغل إحدى أغانيه التي لا أمل سماعها "الدونيا جزقت وري تاوضد إرهانك"

ما زاد إحترامي لهذا الرجل أنه وفي حسابي القديم للفيس بوك أرسلت له فيديو به دقيقتين أنا ولخضر نعزف أغنية "أسويغ أتاي"
فرحب بي بكل تواضع ورد على رسالتي ذلك ما جعل له مكانة خاصة في قلبي فقد استحق كل الإحترام لأنه يملك كل الخصال التي يجب أن يتصف بها الفنان العظيم.

ولا ننسى أنه إبن "تمنراست" تلك التي ورغم كل ما يواجهه أبنائها  من مصاعب إلا أنهم يدفعون بشغفهم لعنان السماء و اليوم صداام له مكانته العالمية رفقة رفاقه في فرقته Imarhan 
صنعوا المجد لهم ولفنهم وحتى لأبناء ولايتهم رغم كل ما قد يعيق أي فنان من تلك المنطقة.

إن آخر ما سأختم به مقالي هذا أني وكمحب لهذا الفن العظيم رغم كوني نصف تارقي بسبب نشأتي في هذا المجتمع هو أني أرغب وبشدة بالعزف رفقة هذا الفنان يوماً ما رغم أني لست بتلك المهارة ولكن أحد أهدافي في الحياة أن أجلس رفقته في مجلس واحد وأتابدل معه أطراف الحديث بآلاتنا الموسيقية.

هذه أول مرة أكتب عن فنان فأخترت أقربهم لقلبي و هو الذي أتمنى أن أكون قد وفيته حقه رغم أني لا أستطيع الجزم بذلك، ولربما سأكتب عن الكثيرين أيضا مستقبلاً.
.






Share To: