نتجول ونغوص في دروب هذه الزائلة، نبكي ونضحك، حيث لا شيء يُعيننا غير أنفسنا، تتسارع نبضات الحياة بإيقاعاتها المتسارعة والمتغايرة ما بين الثانية والتي تليها، تقلباتها ومزاجيتها ونحن لا سبيل لنا إلا أن نتقلب معها كما أرادت هي أن نكون جزء من واقعها وألمها المرير مع بطش مجرفتها التي لابد أن تأخذنا معها.
نئن ونبتسم، نتلوي ونتوجع ولا شيء يقف بجانبنا غير الصبور والصبر الذي سمعنا عنه ومازلنا نطبقه وقد سئمنا منه، تستمر أوركسترا الحياة في عزف مقطوعاتها وكأن القدر قائدًا لها، يرمز ويلوح وإيماءات متتالية بعصاه القصيرة، أوجاع تتعالى في الإيقاع؛ ليهدأ عزف الصبر وينزوي خلف العزف السريع ويستمع لسمفونية الأفراح التي أخذت حيزه ولكنه كأن للأفراح دور صغيرًا تؤديه وصوتها ليس بذلك الصاخب الذي يجعلنا نضع أيدينا في أذاننا أو فرح يرقص له القلب أو كأنه حلمًا صغيرًا ظننته عمرًا كاملًا ولم يكن سوى ثواني معدودة وينتهي.
يعود كوندكتر للتلويح مرة أخرى لتتعالى إيقاعات الخيانات والخيبات من ذويٍ حسبتهم قريبون غير أن لقائد الأوركسترا رأيًا آخر؛ إيماءة لهم بدورةٍ خفيفة ونظرة ساخرة بائسة وابتسامة ماكرة نحوك تعلو شفتيه؛ ليبرهن لك أنك كنتَ وما زلتَ مخطئًا تجاه من وثقت أو كأنك حسبتهم بنيانًا مرصوصًا ولكنه بنيان من ورق وفي أول تلويح تتسارع مع رياح الإيقاع يتساقطون واحد تلو الآخر.
تتوالى التلويحات وتتشابه ولكن القدر هو موسيقار وُضع من أجل أن نتوقع كثيرًا؛ ثم يباغتنا بإيماءة تغير موازيننا العُليا وتفجر ما تختلج به صدورنا من أحاسيس متداخلة، جاء موزعًا حتى لا عازف يخرج عن طور السمفونية المتناغمة، سمفونية الحياة الرتيبة حيث هنا لا شيء يخرج عن المألوف وكلٌ لديه قائد أوركسترا يلوح لمَ له وما عليه من أشياء وأشياء، يتعالى عازفوا "الساكسوجعًا" وينخفض عازفوا "البيانوصبر"، حيث أننا نقف موقف المشاهد نبتسم ونسعد للمعزوفة المفرحة وننزعج من الصاخبة، نبكي مع الحزينة، نتوجع من المؤلمة، وتبتهج نفوسنا مع المفرحة والرومانسية حتى النشوة، لا شيء هناك غير الوحدة والفراق.
أصبحنا تائهون في رحاب أوركسترا الحياة ما بين خيبة وتصديق، أمل وألم، حب وكره، فراق ولقاء، لا حقيقة هنا تذكرنا بأننا أحياء إلا عند عزف العازفون موسيقى الفراق وأنه آن أوان الوداع، ليقف العازفون خلف الكوندكتر يؤدون تحية الوداع ولكنك لا تعلم أن في ذلك الوداع نهاية سطر يعُنيك، وداعًا ينهي مسيرة سُطرتُ ربما إنجازًا أو ندمًا.
________
خارج النص:
البقاء مؤلم والمغادرة أصعب ولا شيء هنا يكفي لراحتنا حتى يعطي قائد الأوركسترا تلويح النهاية وفوق ذلك قائد الأوركسترا مأمورٌ وقد أُمرَ من عظيم أعظم.
"كوندكتر: موزع الفرقة"
Post A Comment: