فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "من ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه" 


🌴السؤال :

من ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه ، فهل التعويض يكون من جنسه أم لا ؟ 

وهل يكون في الدنيا أم في الآخرة ؟ 

وهل يمكن أن لا يعوضه الله بخير مما ترك ؟

🌴الجواب :

ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 

 إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه .

 رواه أحمد ( 21996) .

وقال الألباني : " وسنده صحيح على شرط مسلم " انتهى من " السلسلة الضعيفة (1/62) .

وهذا التبديل والتعويض قد يكون بشيء من جنس الشيء المتروك ، وقد يكون من غير جنسه .

قال ابن القيم رحمه الله :

" وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه : حق ..

والعوض أنواع مختلفة ؛ وأجلّ ما يعوض به : 

الأنس بالله ومحبته ، وطمأنينة القلب به ، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى " 

انتهى من " الفوائد " (ص107) .

🌴وقال في كتابه القيم " روضة المحبين " (ص445) :

"وهذا التعويض لا يلزم أن يكون بشيء محسوس من مال أو نحوه ، بل قد يكون ذلك بأن يرزق الله تعالى عبده درجة عالية من الإيمان واليقين والرضى بما يقدره الله تعالى .

🌴كما قيل لبعض الزهاد وقد رئي في هيئة رثة : 

من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، وأنت تركت الدنيا فماذا عوضك الله !
فقال : الرضى بما أنا فيه " .

صفوة الصفوة" (2/397) .

وقد يكون هذا التعويض في الآخرة ، وهو ظاهر ، فإن من ترك شيئا لله عز وجل أثابه الله ، وثواب الآخرة مهما قل ، فهو أعظم من الدنيا كلها مهما عظمت .

🌴قال ابن دقيق العيد رحمه الله :

" فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا : لا يساوي ذرة مما في الجنة" .

انتهى نقلا من "فتح الباري" (6/14 ) .

🌴وقال السندي رحمه الله في "حاشية ابن ماجه" (1/356) : 

" ذَرَّةٌ مِنَ الآخرة خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا" انتهى .

وقد جاءت بعض الأحاديث فيها النص على الجزاء الأخروي لمن ترك شيئا لله عز وجل .

روى الترمذي (2669) عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : 

مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ : دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ ، حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَىِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا .

 حسنه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (718).

وَمَعْنَى قَوْلِهِ حُلَلِ الإِيمَانِ أى : 

يَعْنِى مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ.

وروى أحمد (15637) ، وأبو داود (4779) ، والترمذي (2153) ، وابن ماجه (4176) عن معاذ بن أنس أيضا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

 مَنْ كَظَمَ غَيْظًا ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ : دَعَاهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ الْحُورِ شَاءَ .

حسنه الألباني في "صحيح ابن ماجه" .

وأهل التقوى والبصيرة لا يأبهون بالعوِض الذي ينالونه في الدنيا ، بل كل همّهم ومنتهى آمالهم أن ينالوا العوض في الآخرة ، بل إنهم إذا أدركوا من ذلك شيئا في الدنيا ، فإنهم يداخلهم الخوف والوجل ، يخشون أن يكونوا ممن عجلت لهم طيباتهم في الدنيا .

روى البخاري (1274) : 

" أن عبد الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتي يَوْمًا بِطَعَامِهِ فَقَالَ :

قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ ، وَقُتِلَ حَمْزَةُ ، أَوْ رَجُلٌ آخَرُ ، خَيْرٌ مِنِّي ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا بُرْدَةٌ ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي " .

وفي رواية للبخاري (4045) :

 " وَقَدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ " .

فما دام العبد قد ترك شيئا مما نهاه الله عنه لا يتركه إلا لوجه الله عز وجل فالعوض له محقق ، وهذا وعد من الله ، ولن يخلف الله وعده .






Share To: