الكاتب الأردني الفلسطيني خالد جهاد يكتب مقالًا تحت عنوان (الخط المغربي..أصالة لا يبدلها الزمن)


لا زال الخط العربي فناً لم ينل ما يستحقه من مكانةٍ رفيعة بين الفنون، سواءاً كان ذلك لغناه أو تنوعه أو عراقته أو جماله الأخاذ وارتباطه بشكلٍ وثيق بالتراث والهوية الإنسانية عموماً والعربية والثقافات المتصلة بها على وجه الخصوص، ونوع الخط العربي الذي نسلط عليه الضوء في هذا المقال هو الخط المغربي..

وهذا الخط المميز له جذور وتاريخ ونشأة، كما مر بمراحل تطور فيها حتى وصل إلى الشكل الحالي، فبدأ تحديداً من مدينة القيروان التونسية العريقة كخطٍ مشتق من الخطوط المشرقية وتحديداً الخط الكوفي بشكلٍ مباشر، وتطور مبدئياً إلى ما عرف بالخط القيرواني المستخدم في كتابة المصاحف، إلى جانب نوعٍ آخر من الخطوط والذي نسب إلى مدينة المهدية التونسية، كما حقق انتشاراً واسعاً في مدينة فاس المغربية العريقة أيضاً وفي مختلف دول شمال إفريقيا وغرب السودان والأندلس.. 

وكان يستخدم بشكل ٍ رئيسي في كتابة المخطوطات العربية خاصةً في ظل انتشار مصانع الورق في مدينة فاس، وامتاز بتطوره وحمله لخصائص البلد أو المدينة التي يصل إليها ليتفرع إلى الخط المغربي الذي تفرع بدوره إلى الخطين المراكشي والفاسي نسبةً إلى مدينتي فاس ومراكش المغربيتين..

وبالتزامن مع انتعاش الخط محلياً في أكثر من بلد ومدينة في شمال إفريقيا كان الخط يشهد نهضةً وتطوراً ملحوظاً في الأندلس، والذي أثر عليها جميعاً وحل محلها بإسم الخط الأندلسي الذي تطور وأصبح اسمه الخط المغربي.. وكما شهد هذا الخط مراحل انتعاش إلا أنه واجه أزماتٍ متعددة جعلت الخطاطين المغاربة يسعون إلى توثيقه وتدوينه للحفاظ عليه وأصبح الخط المعتمد في المغرب بفضل جهودهم ويحتوي على خمسة أنواع من الخطوط هي:
الكوفي المغربي، المبسوط، المسند، الثلث المغربي، والخط المجوهر والذي يستخدم في المرسومات الملكية، كما ابتكر أحد المتصوفين نوعاً من الخطوط بإسمه كأحد فروع الخط المغربي وهو الخط القندوسي نسبةً إلى الخطاط المتصوف محمد بن القاسم القندوسي في القرن التاسع عشر..

كما يتميز الخط المغربي بقدرٍ كبير من المرونة لذا نجد أحياناً للحرف الواحد عدة طرق مختلفة للكتابة وتنوعاً هائلاً في الفروقات بين الأحرف، ويشمل هذا التنوع البلدان الإفريقية وليس فقط المملكة المغربية فيتواجد هذا الخط بأشكالٍ مختلفة في ليبيا وتونس والجزائر والسودان والأندلس كما ذكرنا، وحصل الكثير من امتزاج الأفكار والخبرات والطرق بينهم تبعاً لتنوع البيئات والخلفيات الثقافية وتقاربها أيضاً، مما أكسبها جاذبيةً وسحراً ورونقاً يميزها عن غيرها من أنواع الخط العربي، وقد استمد هذا الزخم من التعددية الثقافية في البلاد المغاربية بشكل ٍ عام حيث أقبل عليه الأمازيغ أيضاً رغم اعتزازهم بثقافتهم الأم مع بداية انتشار الدين الإسلامي واقبالهم على تعلم القرآن الكريم وكتابته بخطوطهم الخاصة والذي تطور إلى استخدامه في العلوم والتحصيل والإدارة ومختلف شؤون الحياة، مما رسخ هذا الفن وهذه الثقافة كجزءٍ من الهوية الوطنية المغربية والمغاربية، كما شهد تضييق الخناق عليه في زمن الإحتلال الفرنسي ليعود بعد الإستقلال ويلقى اهتماماً كبيراً وليتقلد مكانةً مرموقة حيث تم اعتماده في المراسلات الرسمية للديوان الملكي على يد فريقٍ من الخطاطين المختصين بالخط المغربي بكافة أنواعه بإعتباره أحد التقاليد السلطانية العريقة مما شكل دعماً قوياً له، فأصبح متواجداً في العديد من المسابقات الدولية لفن الخط والذي يتصل اتصالاً وثيقاً بفنون أخرى كالرسم والعمارة ويستخدم بالزخرفة والحرف اليدوية ويعطي شكلاً جمالياً متفرداً تختص به الثقافة العربية والإسلامية والذي أشاد به عدة فنانين ومختصين في الغرب وأعتبروه فناً ملهماً على أكثر من صعيد..

ولا شك أن الخط المغربي شكلٌ مميز من أشكال الخط العربي والذي يتسم بالجاذبية والسحر، ويعيد إلى الأذهان أجواء الحكايات التي تزخر بها بلادنا ويزخر بها المغرب وتخلق تفاصيله رابطا ً يجبرنا على العودة إلى جذورنا بحثاً عن أشياءٍ لم تستطع مظاهر الحداثة والتمدن أن تحل محلها..

خالد جهاد..






Share To: