الكاتبة المصرية منةالله مصطفى النجار تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "مطلقة أفضل" 


عماد يقص:
رأيتها أول مرة في إحدي حصص أستاذ عادل، كانت تجلس بين رفيقاتها، لم تلفت إنتباهى بالبداية وبسبب لعبة بدأ إهتمامي بها.
سمعتها وهي تملي رقم هاتفها لصديقتها فقمت بتدوينه علي باطن ذراعي ولا أعلم إلي الآن لمَ فعلت ذلك؟
ولمَ هي بالذات؟

مر يومان وبدأت بممارسة لعبتي.
هاتفتها ولم أتكلم، ظلت تردد ألو.. ألو.. ولكن دون جدوي فملت وأنهت الإتصال..
كررت هذه الفعلة عدة مرات وفي أحد المرات - كنت مصاباً بالبرد- سعلت رغماً عني فسعلت هي الأخري تقليداً لي فتوترت وأنهيتُ الإتصال..
كررت ذلك عدة مرات أخرى، لكن سعالي في المرات التالية كان عن عمد وكذلك هي..
لم أخبرها أبداً من أنا.. وفي أحد الحصص إنتابتني نوبة سعال بسبب الدخان -كان أستاذ عادل يدخن بشراهة أثناء الحصة على غير عادته- ثم نظرت لها لاإرادياً وإبتسمت إبتسامة خبيثة، فبادلتنى النظرات لثوانٍ معدودةٍ ثم أدارت وجهها.
شكتني لأستاذ عادل قاصة علي مرأي ومسمع الجميع تفاصيل لعبتي السخيفة، فنهرني أستاذ عادل وعنفني أمام الجميع، ثم قام أيضاً بمهاتفة أمي ليقص لها ما حدث، وأثناء المكالمة الهاتفية بدأ الجميع بالهمز واللمز وشعرت بالخزى الشديد و...
كان ذلك ما جال بخاطري حول نتائج فعلتي ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
إنتهت الحصة وعاد كلٍ منا الي منزله وهاتفتها مجدداً!، فتحدثت هذه المرة وأخبرتني أنها تعلم بهويتي وسألتني "إنت بتعمل كدة ليه؟" فأجبت "أنا أحبك" وأنهيت الإتصال.
لاأعلم لمَ قلت ذلك؟ أنا لا أحبها، فقط كنت أرغب بالتسلي دون أن ينكشف أمري، والآن تطور الأمر رغماً عني، مرت ثلاث سنوات تطورت خلالهن علاقتى بنجوى شيئاً فشيئاً، حتي غرقت في حبها.
حصلت علي الثانوية العامة، والتحقت بكلية الهندسة بالصعيد، وسافرت بعد توديعها، ومكثت هناك حوالي شهر لا أفعل شيئاً سوي الإستذكار والتفكير بها، ولما عدت إكتشفت أنها قد صادقت غيري!
هكذا بمنتهى البساطة..
فقطعت علاقتي بها وجلست أجتر أحزاني، ولكنها لم تتركني وأخذت تلح في الإتصال، ولما تمكنت أخيراً من محادثتي أخبرتني أن لا ذنب لها فيما حدث، وأن صديقاتها هن من أجبرنها علي مصادقة ذلك الفتي على خلاف رغبتها!، وأنها لا تحبه ولازالت على حبها لى، فأجبتها عذرك سخيف وأنهيت الإتصال، ولكنها لم تيأس وكذلك صديقاتها، ظللن يتصلن بي الواحدة تلو الأخري حتي تمكنَّ من إقناعي بمسامحتها وعادت علاقتنا.. تكررت زلاتها وتكرر غفراني لها، وتأثر مستواي الدراسي بشدة فأصبحتُ دائم الرسوب..

سرقت تفكيرى وعقلى..

هل تفكر بي كما أفكر بها الآن؟
أم تفكر بأخر؟
إستعدت أخر حوار دار بيننا، سألتها عن رد فعلها في حال تقدم أحداً لخطبتها، وأن مشواري طويل، فأجابت بعصبية أنها لن تتزوج غيرى وطمأنتنى أنها ستظل معي حتي نشيب معاً..
إبتسمت لدى إسترجاعى لتلك الجملة وزفرت قائلاً لنفسى "مخلصة!"
لا أعلم لم لا تراها أمي كذلك؟
أنا أعلم أنها ليست ملاكاً لكنها ليست شيطاناً كذلك، لكل منا زلاته وأخطائه والله يغفر الذنوب للعباد أفلا أسامحها وأغفرلها أخطائها؟
إستمرت علاقتي بها علي الرغم من معارضة الجميع لي، حتي صديق عمرى أو من كنت أظنه كذلك عارض زواجى منها، حتى إنه قال لي ذات يوم "أنت مجنون يا عماد؟، إنت مش عارف أخلاقها؟، مش عارف أنها معاك ومع غيرك في نفس الوقت؟"، فنهرته لأمنعه أن يتحدث بالسوء عن زوجتي المستقبلية، وأنذرته أن تلك ستكون نهاية علاقتي به لو كرر فعلته، وتركته وإنصرفت..
وإتفقنا بعد ذلك ألا يتحدث في ذلك الموضوع أبداً، وألا يبدي رأيه في شئونى الخاصة وكذلك أنا.

نجوى تقص:

رأيته أول مرة في إحدي حصص أستاذ عادل، كان يجلس بين رفاقه، لم يجذبني أبداً، ولكن إهتمامي به بدأ برهان!
كان معروفاً عنه أنه خام، لم يسبق أن كانت له أية علاقات من قبل، فتراهنت مع صديقاتي عليه، تظاهرت أمامه بأني لا أتحدث مع أحد سوي صديقاتي الفتيات علي عكس معظم الفتيات بالدرس، ولما إستشعرت أني أثرت إهتمامه تعمدت أن أملي رقم هاتفي لصديقتي بصوتٍ عالٍ حتي يتمكن هو من إلتقاطه، وإنتظرت إتصاله، هاتفني بعد يومان فتظاهرت في البداية بعدم معرفتي بهوية المتحدث، وتطور الأمر تدريجياً حتى تمكنت من الإيقاع به بشباكي وربحت الرهان!
لم أكن أنتوي الإستمرار في تلك العلاقة، ولكن منذ أن خُطبت هناء صديقتي بدأت فكرة الإرتباط تتسلل إلي عقلي، فأنا لست أقل منها، فقررت الإحتفاظ به لحين ظهور فرصة أفضل، وسافر عماد ليكمل دراسته الجامعية بالصعيد والتحقت أنا بمعهد السكرتارية، وعن طريق إحدى زميلاتي بالمعهد تعرفت علي سامح.
لم يكن على قدر كبير من الوسامة، شخصيته العنيفة هي ما جذبتني، يعامل الفتيات بغلظة كما لو كانوا فتية
لا ذوق، لا أدب، وقاحة شديدة، وهذا بالتحديد ما أعجبني به، معرفتي به زادت من إحتقاري لضعف عماد، توطدت علاقتنا ولكنه لم يكلمني أبداً عن المستقبل ولا عن أولادنا مثلما كان يفعل عماد، لم أشعر أبداً أنه يبادلني نفس المشاعر، ومع ذلك إستمرت علاقتنا أملةً في الإيقاع به بيوم من الأيام.

ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان..

عاد عماد من الصعيد واكتشف علاقتي بسامح فأنهي علاقته بي..


قريتنا صغيرة والجميع يعرفون بعضهم البعض ولا يمكن أن تفعل شيئاً دون أن يعلم الجميع، أتمني أن أعيش في القاهرة أو الإسكندرية لأبتعد عن هذا الجو الخانق المليء باللوم..
فمن تحافظ على مبادئها ويتأخر سنها دون زواج.. تُلام.
من تتنازل أخلاقياً للحصول على زوج بأية طريقة.. تُلام.
من تتطلق لإستحالة العشرة.. تُلام.
من تتحمل مالا تطيق وتصبر ويكافئها زوجها بخيانتها.. تُلام أيضاً.
من يتأخر حملها.. تُلام.
لا مفر من اللوم.. إذن فلأفعل ما أريد!
أمهلت نفسي يومان للتفكير والمقارنة بينهما ووجدت أن عماد مضمون أما سامح فكل الظواهر تؤكد أنه يتسلي ولا ينوي الزواج، ففضلت العودة لعماد وترك سامح..
عودتي لعماد لم تكن بالأمر اليسير إحتاج مني ومن صديقاتي هناء وليلى مجهوداً كبيراً حتي تمكنا من إقناعه بمسامحتي، مع وعد مني بعدم تكرار فعلتي، وبالطبع لم أفِ بالوعد!
توقفت عن اللهو قليلاً ثم عاودت محاولاتى مع آخرين!

في كل مرة كنت أخترع له مبرراً وكان يقتنع بسهولة، كان يرغب في الإقتناع لذا لم أحتاج لبذل أي مجهود يذكر فى المرات التالية، كان يخدع نفسه بنفسه، فزاد إحتقارى له، وأصبحتُ أكثر إصراراً على متابعة رحلتي في البحث عن زوج مثالي، وللأسف لم أجد ضالتي بين أحدٍ منهم، ولهذا لم أتمكن من التخلص من عماد، على الرغم أن وجوده أصبح عبئاً ثقيلاً على قلبي..


لا أطيق صوته..

لا أطيق نفسه..

لا أطيق ضعفه..

لا أطيق كلامه المكرر المحفوظ، كما لو كان بطلاً لفيلم رومانسي سخيف..

ولكن..

ظل عماد ولا ظل حائط!

وفي المقابل لم أعد أكترث لإيجاد أية مبررات له عن تصرفاتى، هو كان يجيد ذلك أفضل منى!

عماد يقص

أنا لست غبي أو أحمق كما تظن أمي، أنا علي دراية كاملة بتصرفاتها، وأنوى إنتشالها مما هى فيه الآن،
هى مجرد فتاة حمقاء ساذجة محاطة بصديقات السوء، وسأحرص على أن أقطع علاقتها بهن بعد الزواج..
مرت ستة أعوام علي علاقتي بها، تخرجت خلالها من معهد السكرتارية، وإلتحقت بالعمل بأحد المكاتب الهندسية بالإسكندرية بتوصية منى عن طريق أحد أصدقائى، وهنا بدأت المشاكل..
كانت تتصل بي -عن طريق الماسنجر- أثناء تواجدي بالصعيد تقريبا يومياً قاصة لى عن طوابير العرسان التى تتقدم لها، وحججها التى كادت تنتهى، ورغبتها فى إعلان خطبتنا نظراً لحرج موقفها أمام أهلها، ومن جهة أخرى كنت دائم الشجار مع أمى لرفضها التقدم لخطبة نجوى بحجة أنى لاأزال طالب، كل ذلك أشعرنى بالضغط، وساهم فى زيادة تأخر مستواى الدراسى..
أنا أحب نجوى ولا أقوى على الحياة بدونها، وأمى لا تفهم معنى الحب الطاهر الشريف، لن أسامحها أبداً إن ضاعت نجوى منى، لن أسامحها لللأبد..

نجوى تقص:

ذلك الأحمق يكون مفيداً أحياناً، واسطته لى للعمل فى ذلك المكتب فتحت أمامى أبواب الفرص، لم يتبق أمامى سوى عائق واحد، مهندسات المكتب الغير متزوجات!
ولكن لا يهم سأعمل جاهدة كي أتغلب عليهن وأتخير أفضل الفرص المتاحة لتصبح من نصيبى.
مرت عدة شهور وأنا أعمل فى هذا المكتب دون بارقة أمل واحدة، لم أجد سوى حسام إبن الجيران، كان يذهب لعمله يوميا الساعة 8:55 صباحاً فى كامل أناقته ورائحة عطره تسبقه، كنت أتعمد أن أذهب قبل ميعاد مكتبى بعدة دقائق وأتلكع قليلاً أمام الباب حتى يرانى أثناء خروجه، لكنه لم يلحظنى أبداً كما لوكنت هواء..

-أليس من الأدب أن يلقى التحية على الأقل؟، ياله من متغطرس عديم الذوق!-

وبعد ذلك أكمل الروتين اليومى، أدخل المكتب وأنتظر قدوم عم رجب الفراش لأشرف على عملية تنظيف المكتب، وبعد أن ينتهى عمله يأتى ميعاد قدوم المهندسات فى تمام الساعة العاشرة صباحاً، ويبدأ يوم عمل جديد، وبالطبع لا أنسى أن أتكلم مع عماد عبر المسنجر لأخبره عن العريس الجديد الذى تقدم لى وأعدد له فى مزاياه وعن حرج موقفى أمام أهلى، وهو يصدقنى كالعادة، وإستمريت على هذا المنوال وإستمرت كذلك محاولاتى مع حسام عدة أشهر دون أن أفقد الأمل، حتى هذا اليوم الذى طلب فيه المهندس يحيي صاحب المكتب من المهندسة وسام أن تأتى مبكرةً ساعة وتنصرف متأخرة ساعة لمدة شهر، حتى يتمكنوا من تسليم المشروع فى ميعاده، وتم تسليم مشروع الشؤم!، وتمت كذلك تمت خطبة وسام على حسام!
ليس ذلك فقط ما أثار غيظى، بل لأنه كان يلقى عليها تحية الصباح كل يوم طوال ذلك الشهر ويتجاهلنى كالعادة!
تلك البلهاء عديمة الخبرة بالرجال تفوز بفريستي أمام عيوني دون أن تبذل أية مجهود!
ومرت عدة شهور أخرى لا يقطع مللها سوى نزهاتى مع عماد عندما يجىء فى إجازاته، أو حديثى معه على الماسنجر، حتى جاء المهندس كريم -أحد أقارب المهندس يحيي- فى زيارة للتدرب على العمل بالمكتب قبل أن يستلم عمله بفرع المكتب بالإمارات، وأخذن المهندسات فى تعليمه، وكن يتعاملن معه كطفل كبير جاء للتعلم بينما كنت أتعامل معه كرجل وراقه ذلك كثيرا و...
تمكنت من إصطياده!، وإتفقنا أن أنتظره حتى يعود من الإمارات فى العام القادم وقد إدخر بعضاً من تكاليف الزواج، كى يتسنى له التقدم لى وخطبتى، مع وعد بإتمام الزواج فى العام التالى للخطبة وناسبنى ذلك، حتى أجد متسع من الوقت لأبحث عن فرصة أفضل!، لأنه لم يكن يعجبنى كثيراً هو الآخر، ولكنه كان مستعداً للزواج أسرع من عماد!
كنت أحلم بالزواج بشخص مثل مهندس يحيي ليجعل منى هانم مثل مدام سامية زوجته، سافر كريم وتابعت إتصالاتى معه هو وعماد وفجأة خطرت لي فكرة، ماذا لو تزوجت مهندس يحيي نفسه؟، فأنا لا أجد من بين الشباب من لديه القدرة على تحقيق أحلامى، أن أكون زوجة ثانية لشخص مثل المهندس يحيي خيراً من أن أكون زوجة أولى لشخص مثل عماد أو وائل..
و بدأت رحلة صيد جديدة!



مهندس يحيي يقص:

كنت أستعد لإفتتاح فرع المكتب بالإمارات ونويت إرسال مهندس كريم - إبن أختى- كى يتولى إدارة المكتب هناك، ولكنه خيب أملى خلال فترة تدريبه بالمكتب، وعلى الرغم من ذلك أرسلته لأنه لم يكن أمامى خيارات أخرى فى ذلك الوقت، وقضيت شهوراً عصيبةً نتيجة للمشاكل التى كان يفجرها كريم بسبب تصرفاته الصبيانية، وإضطررت للسفر حوالى خمس أو ست مرات لمعالجة تلك المشاكل..
كان لابد من حلٍ جذرى..
أى مهندسة من مهندسات المكتب يمكنها إدارة المكتب وأسافر أنا لإدارة فرع الإمارات، ولكن أنا لا أضمن ولائهن، فلكى تتمكن أى واحدة منهن من الإدارة بشكلٍ مثالٍ فلابد أن أعلمها خبايا العمل، وأن أعطيها خلاصة خبرتى فى الإدارة، وأغلب الظن أنها ستقوم بترك المكتب بعد ذلك من أجل عمل أخر براتب أعلى وتفيد أحد مُنافسيِّ، أو ربما تؤسس لنفسها مكتباً خاصاً بها وتنافسنى، وفى خضم تلك الأفكار كانت تحاول نجوى أن تلفت إنتباهى من جديد..
يعجبنى حقاً إصراراها ومحاولاتها المستميتة فى الإيقاع بى، ولكن أساليبها كانت بالية للغاية!، يمكنها بالكاد خداع مراهق وليس رجلاً محنكاً مثلى!، ولكنها فتاة مجتهدة على أية حال..
وفجأة خطرت ببالى فكرة، فإستدعيتها وسألتها إن كانت تجيد برنامجى

؟ *(1) Excel وAutoCAD
فأجابت بأنها تجيد الإكسل فقط لتعلمها إياه أثناء دراستها بالمعهد، فسألتها إن كان لديها الاستعداد للتعلم وإكتساب مهارات جديد؟، فحدقت بى محاولةً سبر أغوارى، فتابعت حديثى وأشدت بها وبإجتهادها وبرغبتى فى إعطاءها فرصة لتحسين مهاراتها، وبأنها ليست أقل من مهندسات المكتب فى شىء، فلمعت عيناها وسألت "أفهم من كلامك أنك حتعلمنى تصميم المنشآت وحابقى مهندسة؟"
فأجبت ضاحكاً "أكيد لأ بس حاعلمك رسم اللوحات الإنشائية بإستخدام الأوتوكاد وأعمال الحصر بإستخدام الإكسل"، فأجابت بحماس "مش حخيب ظنك".

نجوى تقص:

باءت كل محاولاتى للفت إنتباه مهندس يحيى بالفشل، وكدت أيأس حتى إستدعانى يوماً وطلب منى تعلم برنامج أوتوكاد بحجة إعطائى فرصة لتحسين مهاراتى، وكانت تلك فرصة ذهبية لى لقضاء وقت طويل معه وإصطياده، ولكن خاب أملى بعد ذلك عندما إكتشفت أنه لن يقوم بتعليمى بنفسه، وأنه أوكل تلك المهمة لعُلا إحدى مهندسات المكتب، وبدأت فى التعلم حتى أكون عند حسن ظنه، ولم أنس طبعاً أن أواصل إتصالاتى مع عماد وكريم..

عماد يقص

ظهرت نتيجة إختباراتى ونجحت على خلاف المتوقع بعد مرتان إعادة لنفس السنة، وإتصلت أولاً بنجوى أزف لها هذا الخبر وأطمأنها أنه لم يتبق سوى سنتان على التخرج، وإتصلت كذلك بوالدتى وفرحت كثيراً لدى سماعها خبر نجاحي، وقالت "يالا بقى شد حيلك علشان تتخرج وأخطبلك بنت خالتك".
لم أعلق لأنه لا فائدة من الكلام..
لماذا تفعلين هذا بي يا أمي؟
لماذا تتجاهلين مشاعري؟
لماذا دوماً ما تصرين على فرض رأيك على كل من حولك؟
لا يهم..
لن أيأس أبداً وسأظل أحارب حتى نهاية عمرى أو حتى أفوز بنجوي.

مهندس يحيي يقص:

أوكلت مهمة تدريب نجوى لمهندسة عُلا، وكنت أتابع أدائها من حينٍ لأخر، وبالفعل أثبتت جدارة كما توقعت، ولما أتمت تدريبها بنجاح قررت أن أضعها فى إختبار أصعب لأتأكد من مدى موائمتها للمهمة التى هى مقبلة عليها!، أخبرتها أنى سأسافر للإمارات مدة إسبوعان وطلبت منها أن تتولى إدارة المكتب فى غيابى وشرحت لها المهام المطلوبة، وأعطيتها كافة الصلاحيات عدا التصرف فى أى شىء يخص الميزانية المالية، وسافرت ولما عدت وجدت كل شىء على أفضل حال عدا أنها قامت برفت مهندسة عُلا!، بحجة أنها تسببت فى الكثير من المشاكل وكان رفتها هو الحل الوحيد لإنهاء القلاقل التى أثارتها بالمكتب..
لم أستغرب ممَ حدث، فمن الصعب أن تتقبل عُلا أن تصبح نجوى مديرتها بعد أن كانت متدربة لديها!، ولكنى لم أتقبل قرارها هذا ونهرتها بشدة وأمرتها بأن تصلح ما أفسدت، فقامت بالإتصال بمهندسة عُلا وإعتذرت لها على مضض، وعادت عُلا للعمل مجدداً، بل وقمت بترقيتها أيضاً لتصبح مسئولة عن قسم التصميمات لتصبح نداً لنجوى التى ترأست قسم المكتب الفنى بالإضافة لباقى المهام الإدارية، مما أثار غيظها بشدة، لتوقعها أن سلطتها ستكون مطلقة ولن يناطحها أحد. نجحت خطتى وسار كل شىء كما خططت له من البداية..
فرق تسد..
وتابعت تنفيذ الخُطة، فقمت بإستدعاء نجوى لمكتبى وطلبت منها أن تقابلنى فى مطعم "..." الساعة الثامنة مساءاً، فتظاهرت بعدم الفهم وسألتنى عن السبب فأجبت ستعلمين عند مجيئك، وإنتظرتها حسب الموعد فجاءت متأخرة عشرُ دقائق مرتديةً ملابس رخيصة كعادتها، واضعةً الكثير من مساحيق التجميل على وجهها فبدت متكلفة جداً..
تلك الفتاة مجتهدة، ولكنها تحتاج الى من يعلمها كيف ترتدى ملابسها وكيف تتجمل بشكل أفضل من ذلك،
المهم أنى أخبرتها برغبتى فى الزواج بها، بعد إيهامها طبعا أنى قد وقعت في شراك حبها، وأنى لن أتمكن من العيش بدونها، الى أخر ذلك الحوار الذى كانت تتوق لسماعه، ووافقت بالطبع بعد تظاهرها بالتعاطف مع زوجتى المسكينة التى لا ذنب لها فى ذلك، فأجبتها أن حبنا أقوى من أى شىء، كما أني لا أنوى تطليقها فلا داعى للقلق بشأنها..
الآن فقط يمكنني أن أسافر أنا وزوجتي وأبنائي الى الإمارات للعيش هناك ومتابعة أعمالي وأنا مرتاح البال، أنا أثق تماما ً أنها لن تجد فرصة أفضل ولن يمكنها أن تترك المكتب أبداً، لأنها ببساطة ليست مهندسة وخبرتها فى هذا المجال لن تفيدها سوى فى العمل عندى، وفى المقابل سأحقق لها أحلامها، أما عُلا فلن يضيرنى إن رحلت فى أى وقت، فمهمتها يمكن لأى مهندسة بالمكتب القيام بها، وإن كنت شبه متأكد أنها لن ترحل أبداً على الأقل نكايةً فى نجوى..
صفقة رابحة.. أليست كذلك؟



نجوى تقص:
أخيراً إنتصرت على ذلك الكهل وسأتزوجه!، ثقته بى لإدارة المكتب دوناً عن كل مهندسات المكتب خير دليل على سير خطتي بالإتجاه المرسوم..
فى البداية سافر وطلب منى أن أقوم بإدارة المكتب، وما أن توليت الإدارة حتى بدأت مهندسة عُلا فى السخرية منى، كانت تتعمد أن تسألنى فى أشياء لا أفهمها حتى تحرجنى أمام الجميع، فقررت أن أتخلص منها برفتها حتى تصبح عبرة لمن يعتبر!، ولكنه أفسد خطتى عندما أعادها للعمل بل وترقيتها أيضاً بعد عودته.
لكن لا يهم، فذلك الوضع لن يدوم بعد زواجى منه وسأصبح رقم واحد بالمكتب..
شعرت بسعادة غامرة لدى وورود ذلك الخاطر بذهنى..
أخيراً سأتمكن من تحقيق كل أحلامى..
زوج وسيم غنى غارق فى حبى ورهن إشارتى، منصب، أموال كثيرة..
الآن فقط يمكن أن أنهى علاقتى بعماد وكريم فقد سئمت الحديث معهما..
هاتفت عماد وأخبرته أن هناك عريساً تقدم لى ولن أتمكن من الرفض هذه المرة، وقد قرر أبى أن يكون عقد قرانى الإسبوع القادم، ولكن الأبله لم يستسلم بسهولة وظل يردد أنه سيعمل ما بوسعه ليوقف هذه الزيجة، ولم أتمكن من إقناعه بأن ينسانى ويلتفت لدراسته، وأنهينا الإتصال وهو مُصر على موقفه..
الأحمق سيفسد زيجتى..
دخلت بعدها على الماسنجر لأخبر كريم هو الأخر لكنه لم يُصدم مثل عماد وتمنى لى التوفيق، فغاظنى ذلك بشدة!
كنت أتوقع أن يبدي بعض التأثر، أو يحارب قليلاً ليفوز بي كما تعودت مع عماد، يبدو أنه كان يتسلى ومشاعره نحوي لم تكن حقيقية، ياله من وغدٍ حقيرٍ.
هل يظن أن قلوب بنات الناس لعبة؟
شعرت بغضب شديد فقررت أن أهاتف ليلى لأغيظها بأمر العريس الغنى، ولأطلب منها أيضا المساعدة فى التخلص من عماد، فطمأنتنى بأنها ستتولى أمره.

ليلي تقص:

إتصلت بى ليلي لتخبرنى بنجاح خطتها وهى تظن أنها ستغيظنى، ولكنها فى حقيقة الأمر كانت تزف لى أسعد خبر فى حياتى!، الآن سيصبح الطريق لقلب عماد خالياً، لم أضيع الوقت، وشرعت على الفور في تنفيذ الخطة، هاتفت عماد وبدأت في مواساته وتحفيزه على نسيانها والتفكير فى مستقبله، وأخبرته أنها سعيدة الآن ويجب أن يسعد لسعادتها، وأن يتمنى لها التوفيق فى حياتها، ولم أتركه غير وهو مقتنع بالعدول عن فكرة إفساد عقد القران، فأنا دوماً ما كنت أجيد إقناعه..
تكررت إتصالاتى مع عماد بعد ذلك، وبدأ يرتاح لى رويداً رويداً حتى وقع فى شراك حبى، ثم أخبر والدته عنى وعرفنى عليها، وبدأت فى الجزء الثاني من الخطة مع والدته، ولكنها لم تتقبلنى كما توقعت،
ومع ذلك لم أستسلم وإستمريت فى فرض نفسى عليها، حتى بات وجودى فى حياتها أمراً واقعاً لا مفر منه،
وخطبت لعماد فى العام قبل النهائى له بالكلية، وإتفقنا على أن نتمم الزيجة بعد تخرجه وحصوله على عمل.

نجوى تقص

أخيراً تزوجت من يحيى..
صحيح دون حفل زفاف، لكن لا يهم فتلك الشكليات التافهة لا يجب أن تشغل بالى..
صحيح سأؤجل الحمل بناء على طلبه، ولكن لا يهم أيضاً، فمن يرغب أن يزعج نفسه بضجيج الأطفال؟
سافرنا سوياً بعد عقد القران الى دبى في رحلة شهر عسل وعمل بنفس الوقت، وهناك تعرفت على طاقم العمل ونظام العمل بالمكتب، وتنزهت فى دبى وعدت الى مصر بعد حوالى إسبوعان لأستلم إدارة المكتب، وسافر يحيى بعد ذلك مع مدام سامية وأولاده ليلحقهم بالمدارس هناك مع وعد بزيارتى شهرياً، ونفذ وعده ولكنه لم يكن يمكث سوى أياماً معدودة ثم يعاود السفر للإمارات، لم تدم سعادتى وتبدلت أحواله وأصبح يأتى إسبوعان كل ثلاثة أشهر، ثم كل أربعة، وأخيراً كل ستة، كما أصبح عصبى المزاج بشكل لا يطاق، وكان يحملنى مسئولية أى خطأ وينهرنى بسببه بشدة حتى لو كان خطأً تافهاً..
كنت أشعر أننى مجرد موظفة لديه، لا بل أقل!، فحتى الإجازات السنوية لم تكن متاحة لى، أصبحت زوجة مع إيقاف التنفيذ وموظفة بلا حقوق، إن طلبت الطلاق سأعود للعمل كسكرتيرة براتب حقير، ولكن إن أصبح لدى أولاد سيضطر للإنفاق عليهم بحكم المحكمة حتى بعد أن أحصل على الطلاق، هو طلب منى أن أؤجل الإنجاب فى بداية الزواج وقد مرت ثلاث سنوات على زواجنا، ومعنى ذلك أنى فى حلٍ من ذلك الوعد الآن..

عماد يقص

مر عامان على خطبتى بليلى وخلال تلك الفترة تخرجت من الجامعة وعملت بإحدى المكاتب الهندسية وبدأت بتجهيز شقتى -التى إشتراها لى أبى قبل وفاته- إستعداداً لزواجى بها، أما والدتى فلم تنس أن تلك الخطبة تمت رغم إرادتها، فكانت تحاول فرض إرادتها فى كل شىء يخصنا - خاصة أنها كانت تتحكم فى ميراثى من أبى لأنه كتب كل شىء بإسمها قبل وفاته عدا شقتى- حتى إنها قامت بشراء بعضاً من أثاث الشقة بدون معرفتنا وقامت بفرضه علينا، نصحتنى ليلي بألا أثير أية مشاكل معها حتى نتزوج، وبعد الزواج يمكننا السفر لأى مكان والعمل هناك بعيداً عن سيطرتها، وبالفعل طأطأنا لها رأسنا حتى تزوجنا، وبنفس الوقت كنا نجهز للسفر الى الكويت بدون علمها، وأبقينا الأمر سراً حتى عدنا من رحلة شهر العسل التى أمضيناها بالغردقة والجونة، وفاجئناها بالأمر فغضبت كالمتوقع، ولكن لا يهم!
وسافرنا الى الكويت وهناك أنجبنا إبنتنا الأولى هنا.

نجوى تقص:

أخيرا ًسأصبح أم، بشرني الطبيب بهذا الخبر السعيد وبالطبع أبقيت الأمر سراً ولم أخبر يحيى حتى عاد من الإمارات بعد ستة أشهر من الحمل، واكتشف الأمر بنفسه فهاج وصاح، وبالطبع لم يتمكن من فعل أي شىء أكثر من ذلك، واضطر لتقبل الأمر الواقع..
واستمريت بالعمل في المكتب حتى ميعاد الولادة، ونويت ألا أعود للعمل مجدداً، وأن أكتفى بدوري كأم وأمارس حياتي كهانم بين التسوق والسفر وقضاء الوقت بالنادي والتعرف على سيدات النادي، ولكنه خيب أملى عندما طلب منى العودة للمكتب بعد إسبوعان من الولادة، فرفضت، فهددني بالطلاق، فلم أهتم، وإستمر الجدال بيننا لأشهر، وفى النهاية طلقنى، فلم أهتم ايضاً!، أنا الآن حاضنة، سيوفر لى مسكن مناسب رغم أنفه، وسيقوم بالإنفاق على إبنه رغم أنفه، ولن يجد من يدير له مكتبه ويثق فى ولائه فى نفس الوقت، وكما توقعت قام بإرسال كريم لإدارة المكتب طوال فترة طلاقنا التى لم تتخطى مدة العدة فأفسد كل شىء، فلم يجد أمامه سوى ردى لعصمته والرضوخ لطلباتى، وعدت للإدارة مجدداً، لكنى الآن على الأقل أصبحت موظفة ذات حقوق، أحصل على إجازة وقتما شئت لفعل ما شئت، وبالرغم من ذلك كنت تعيسة..

أدمنت التسوق..

أدمنت الحلويات..

أدمنت عمليات التجميل..

أدمنت مواقع التواصل الإجتماعى..

إلا أن السعادة لم تعرف طريقاً الي قلبي أبداً، دوماً ما أشعر أن شيئاً ما ينقصنى..

لا شىء يملأ خواء روحى..

أحصل على سويعات من السعادة المؤقتة ثم أعود لمنزلى البارد..

أشعر..

بالوحدة..

بعدم قيمة الأشياء التى طالما رغبت بها..


تذكرت هناء وليلى، بالتأكيد هن أسعد حالاً منى، على الأقل لدى كل منهما بيت وأسرة طبيعية وزوج محب، تدور مشاكلهم حول طريقة تربية الأطفال أو مصروف البيت لا أكثر، لاعلاقة مليئة بالتحدى والكره ورغبة كل طرف فى إستغلال الأخر بأقل التكاليف..
أتمنى لو يعود بى الزمن للوراء لأتزوج من أحد أبناء قريتى، وأهنأ بحياة هادئة بلا صراعات..

هناء تقص

منذ نعومة أظافرى وأنا أعتبر أبلة بهيرة مثلى الأعلى، لم تحب لقب طنط مطلقاً لأنه يشعرها بالتقدم فى السن، لم تكن كسائر نساء القرية -بإستثناء أنها إكتفت بالتعليم المدرسى مثل أغلبهن- فكانت رمزاً للأناقة، نستيقظ يومياً بالصباح على رائحة عطرها المنبعث من شباك غرفة نومها طوال العام الدراسى، أما في فصل الصيف فكانت تحرص على قضاءه بفيلتهم بالمعمورة مع أبنائها ووالدتها، زوجها كان أول من إتجه للعمل الخاص من بين أبناء القرية على عكس عادة المتعلمين منهم فى تقديسهم للوظيفة وحرصهم على الحصول عليها -إن فاتك الميرى إتمرمغ فى ترابه- فكان أول من قام بإستيراد الجرارات الزراعية من الهند وإحتكر بيعها للفلاحين لسنوات، وفاده عشق الجميع للوظيفة فى عدم وجود منافسين له..



كنت أنتظر طوال الصيف عودة لينا - إبنة أبلة بهيرة الصغرى- لتقص لى عن نوادر جيرانها من الفنانين والمشاهير بالمعمورة، عشقت حياتهم وقررت أن أضع حازم -إبن أبلة بهيرة الأكبر- هدفاً لى، ولأنى كنت الأجمل من بين بنات المدرسة فمهمتى كانت يسيرة، فقط تمنيت وتحققت أمنيتي وخطبنى حازم وأنا لازلت بالتعليم المدرسى، وتزوجنا مباشرة بعد إنتهاء إمتحانات الثانوية العامة وأنجبت أربعة أطفال..
كان حازم يغيب طوال اليوم بعمله بشركة أبيه ويعود مساءاً ليأكل وينام وأبقى وحدى طوال اليوم مع أطفالى، ولم يعد لى أصدقاء بعد ترك نجوى وليلى للقرية..
أنا نادمة لأنى لم أستكمل تعليمى لأصبح مدرسة مثل ليلى، ولا حتى تزوجت من رجل أعمال يفتح الطريق أمامى لعالم البيزنس مثل نجوى، كنت أتابع صورهما على الفيسبوك يومياً فى دبى وفى قرى الساحل الشمالى بينما أنا غارقة فى الأعمال المنزلية طوال العام وأتحسر على حالى، حتى المعمورة التى طالما تمنيت الذهاب إليها لم تعد كسابق عهدها، هجرها المشاهير الى الساحل الشمالى والعين السخنة وأصبحت مصيفاً للعامة!، ولم يكن يملك حازم بالطبع ثمن طوبة بالساحل الشمالى، فتفكير الناس بقريتى تغير ولم يعد أبيه محتكراً لبيع الألات الزراعية كالسابق، وأصبح له الكثير من المنافسين وبالتالى كان دخل الشركة بالكاد يكفى مصاريف الثلاث بيوت هو وأخيه وأبيه...

عماد يقص

بعد مرور حوالى ثلاثة أشهر على زواجى بليلي إكتشفت زيف مشاعرى نحوها!
أنا لم أحبها فنجوى هى حب حياتى، فقط كنت أرغب في أن أتحدى والدتى لتدميرها حلمى فى الزواج من نجوي حب عمرى، والآن وبعد أن أصبحت بعيداً عن سيطرتها وأصبحت حراً فى إتخاذ قراراتى، إكتشفت مشاعرى الحقيقية نحوها، ولكن إبنتى هنا كانت فى طريقها للقدوم الى الحياة، ولم أشأ أن تأتى لتجد أبوين منفصلين، فقررت أن أستمر بالحياة معها فهى زوجة لا بأس بها..
لا فرق بين إمرآة وأخرى إن لم يكن هناك حب حقيقي..
وبعد مرور ست سنوات على زواجنا أثمرت إبننا مهند وإبنتنا هنا قابلت هند، كانت تعمل كخبيرة تجميل بمركز التجميل المجاور لمكتبنا، أحببتها من كل قلبى رغم أنها كانت تكبرنى بعدة سنوات، لم يشكل ذلك الفارق أي عقبة في طريق إرتباطنا، فحبنا أسمى من كل تقاليد المجتمع البالية!
وإتفقنا على الزواج وعقدت العزم علي أن أقوم بتطليق ليلي مع إلتزامى بالإنفاق عليها هى وأبنائى طوال عمرهم، فما الذى يجبرنى على أن أكمل حياتى مع إمرآة لم أحبها يوماً وأترك المرآة التى أُحب؟
وقبل أن أفاتح ليلى فى موضوع الطلاق فوجئت برسالة من هند على هاتفى المحمول تخبرنى أنها قررت أن تنهى علاقتها بى، مبررة ذلك بأنها تشعر أنها مجرد نزوة فى حياتى، وأنها لا ترغب بهدم حياتى الزوجية وتتمنى لى التوفيق فى حياتى..
حاولت الإتصال بها وبحثت عنها بكل مكان دون جدوى، ودارت الدنيا من حولى وسرت على غير هدى حتى قادتنى قدماى الى إحدى المقاهى وأطلت الجلوس، فلم يكن بى رغبة بالعودة للمنزل، وعدت مضطراً فى النهاية بعد منتصف الليل، وقابلتنى ليلى بالطبع بموجة من التوبيخ لتأخرى والإتهامات بعدم المسئولية،
أصبحت القهوة بعد ذلك ملاذى الآمن من المشاكل حيث أستعيد أيام عزوبيتِى وأشعر أنى ولدت من جديد، وما أن أعود للمنزل متأخراً كعادتى كل ليلة بعد نوم الأطفال، حتى أغرق فى المشاكل مرة أخرى، دوامة لا نهاية لها..

."العيال علاطول بيسألوا عليك، مش حرام يعيشوا كدة زى الأيتام وأبوهم عايش"

"مهند إتخبط فى حوش المدرسة ووقع وإيده إتكسرت، كلمتك كثير علشان تجيلنا المستشفى ومردتش كالعادة".



العيال نفسهم نطلع رحلة عائلية مع بعض زى باقى أصحابهم"."

"هنا حرارتها كانت عالية وطلعت أجرى بيها على المستشفى كلمتك كثير مردتش، إنت عمرك ما بترد أبداً، علاطول سايبنا متشحططين لوحدنا".

هنا طلعت الأولى والمدرسة حتكرمها فى حفلة التخرج، وعايزاك تحضر معاها" "

."مهند أخذ المركز الثالث فى بطولة التايكوندو، كان نفسه تبقى موجود"

."رايحين يوم الجمعة جنينة الحيوانات تحب تيجى معانا"

."إتعشيت برة ولا أحضرلك العشا!"

."......................"

عدت فى أحد الأيام لأجدها خلدت للنوم فى غرفة الأبناء وتوقفت عن طلباتها وعتابها بل وعن رؤيتى،
تنام قبل عودتى وتستيقظ قبلى مع الأولاد لتقلهم الى المدرسة، وتحررت أنا من مسئوليات الزواج الثقيلة وعدت لحياة العزوبية بشكل كامل!



ليلى تقص:

تغير عماد كثيراً فى الآونة الأخيرة، أصبح دائم السهر خارج المنزل، لم نعد نراه إلا قليلاً، حتى يوم الجمعة كان يقضيه بالكامل مع أصدقائه، لم يكن ذلك ما تخيلته عن مستقبل حياتنا عندما قررت أن أرمى بشباكى عليه!
ظننته حنوناً سيعوضنى عما إفتقدته من حنان لدى أسرتى، لكن يبدو أنى سأعيش لأكرر نفس سيناريو أمى مع أبى من جديد..
لن أتحمل لقب مطلقة..
لن أتحمل كذلك الحياة فى منزل أبى فهى أسوأ بكثير، على الأقل لن يتحكم بى أحد أو يستخدمنى لتفريغ شحناته..
فتقبلت أن أكون زوجة مع إيقاف التنفيذ!
ولكن يجب أن أنجح فى شىء ما، لذا قررت أن أعمل وبالفعل تمكنت من الحصول على عمل كمدرسة فى مدرسة أبناءى، وركزت كل طاقتى معهم وأصبحت أم وأب وامرآة عاملة..
فقط بالمناسبات الإجتماعية أتذكر أنى زوجة، حين يصطحبنى عماد للذهاب كى نحافظ على الشكل الإجتماعى لأسرتنا، سوى ذلك لم يكن له وجود..
ولم أعد أهتم لغيابه كثيراً فأولادى وعملى يملأون حياتى بهجة وسعادة..
أو ربما كنت أتظاهر بعدم الإهتمام حتى لا تقتلنى الحسرة..

عماد يقص

لم تعد لقاءاتى مع أصدقائى تقتصر على المقهى، كنا نسافر نهاية كل إسبوع لقضاء اليوم بدبى معاً ومارسنا الكثير من الأنشطة..

السباحة بالبحر ومع الدلافين أحياناً..
التزلج على الرمال..
رحلات السافارى..
الغطس..
تجربة أكلات جديدة..
أكوابارك..
الطيران بالبارشوت وبالمنطاد..
جولات الهليكوبتر..
الى أخره من الأنشطة الرائعة التى لا نهاية لها..

حتى تزوجوا الواحد تلو الآخر وإنشغلوا بحياتهم الزوجية، وتقلصت لقاءاتنا بالقهوة لتصبح مرة واحدة إسبوعياً، ثم تعرفت زوجاتهم على بعضهن البعض وتغيرت طبيعة أنشطتهم وإقتصرت علي الأنشطة العائلية من تسوق ولعب بالحدائق مع الأطفال وملاهى الألعاب وزيارة حدائق الحيوانات والحدائق المائية... الى أخره من الأنشطة المملة، ولم يعد لى مكاناً بينهم، وإستعدت شعوري بالوحدة مجدداً، فقررت أن أكتفى بالذهاب للقهوة يوم التجمع الإسبوعى وأعود لزوجتى وأبنائى مبكراً باقى أيام الإسبوع، وباليوم الأول عدت لأجد المنزل خاوياً، هاتفت زوجتى فلم تجب وقلقت بشدة أين ذهبوا ياترى؟، مكثت لساعتان فى مكانى لا أعلم ماذا أفعل، ثم سمعت صوت المفتاح وهو يلج بالباب ورأيتهم يدخلون، إستغربوا لرؤيتى ودخل الأولاد لغرفهم مباشرةً دون الكلام معى كما لو كنت هواء!
نهضت غاضباً "كنت فين لحد دلوقتى؟ وإزاى تخرجى من غير ما تقوليلى؟ وإيه قلة الأدب الى العيال فيها دى؟"
فردت بهدوء"من إمتى كدة بتهتم بنروح فين وبنيجى منين؟، عامة كنا فى التمرين يا سيدى، أما عن خروجنا من غير مانقولك فأنا قلت كثير وإتكلمت كثير وعمرك ما إهتميت ولا حتي سمعت ودائماً كنت بتحسسنى إن أنا والولاد عبء كبير عليك، أدينى ريحتك يا سيدى من العبء ده وسيبتك براحتك خالص إيه المطلوب دلوقتى؟"، وتركتنى ودخلت المطبخ لتحضر شطائر العشاء للأولاد ووضعت لى عشائى أمامى على الطاولة وخلدوا جميعاً للنوم بعدها، وذهبت للنوم وحيداً..
حاولت أن أتقرب منهم، لم يصدونى.. لكن دوماً ما كنت أشعر بضيقهم من وجودى كما لو كنت حجر عثرة فى طريقهم..
أرغب في التنزه، ويرغبون فى التمرن..
أرغب فى الخروج والسهر، ويرغبون فى النوم مبكراً..
أرغب فى السفر لقضاء نهاية الإسبوع بدبى، ويرغبون بالإستذكار لإختباراتهم..
أرغب أن تتعرف زوجتى الى زوجات أصدقائى ليتسنى لى مرافقتهم مجدداً، ولا ترغب هى فى صداقات جديدة، فلديها ما يكفى من الأصدقاء..
شعرت بالضيق الشديد منهم!، لم لا يرغب الجميع بمشاركتى إهتماماتى؟
فقررت أن أعاقب الجميع..أبنائى، زوجتى، أصدقائى، بهجرهم جميعاً بعد تأسيسى لقناتى على اليوتيوب "عماد حول العالم!"، وقررت أن أجوب العالم وحدى مشاركاً تجاربى مع متابعيّ..

فهم فقط من يستحقون وقتى وإهتمامى.

هند تقص

أنا فتاة تخطيت الخامسة والثلاثين من عمرى، لم أتزوج بعد، عماد كان يعمل بالمكتب الهندسى المواجه لمحل عملى، حاول التقرب الى كثيراً فصددته فى بادىء الأمر، ثم تنازلت ووافقت على الإرتباط به عاطفياً رغم علمى أنه متزوج، كنت أخشى فوات قطار الأمومة وبالرغم من نصائح الكثيرين لى بالإبتعاد عنه وبأنى مجرد نزوة سيفيق منها ليعود الى أسرته، إلا أنى لم أتراجع ودوماً ما كنت أجيب بنفس الإجابة "مطلقةً أحسن من عانس!" وإستمرت علاقتنا فترة إتفقنا خلالها على الزواج، حتى جاءنى سلسو ذات يوم يخبرنى بإعجابه بى ويطلبنى للزواج!
وسلسو كان رساماً فلبينياً يعمل بنفس مكتب عماد، رآنى معه كثيراً وأعجب بى ظناَ منه أننا أصدقاء فحسب، ووافقت على طلبه فى الحال وتزوجنا سريعاً بعد إتمامه لإجراءات تغيير الديانة، فزواج مستقر خير من زواج مؤقت، وأرسلت لعماد رسالة على هاتفه المحمول أخبره فيها أن علاقتنا قد إنتهت، ثم أغلقت هاتفى المحمول وسافرت مع زوجى الى تايلاند لقضاء شهرعسلنا هناك..
ترى هل سأسعد معه؟
هل سيكون أباً جيداً وزوجاً صالحاً؟
لاأعلم..


تمت

الأوتوكاد: Autocad*(1)

هو برنامج للرسم بمساعدة الحاسوب يدعم إنشاء الرسومات ثنائية وثلاثية الأبعاد، يستخدمه المهندسون من مختلف الإختصاصات لإنشاء الرسومات والتصاميم الهندسية.


نبذة عن الكاتبة :
الكاتبة منةالله مصطفى النجار.. تخرجت من كلية الهندسة قسم مدني عام 2006.. أهوى كتابة القصص وصاحبة مدونة كتابات منة منذ عام 2012..







Share To: