الأديب شاكر فريد حسن يكتب: حسن عبد اللـه وكتابه "دمعة ووردة على خَد رام اللـه"


هذا هو الكتاب الأخير الذي صدر للباحث في الشأن الثقافي، الكاتب والإعلامي الفلسطيني حسن عبد اللـه، الذي عرفناه منذ الثمانينات من القرن الماضي من خلال كتاباته الأدبية والسياسية، التي كان ينشرها في الصحافة الأدبية والثقافية في المناطق الفلسطينية المحتلة، وفي صحيفة "الصنارة" الأسبوعية. 
يُعد حسن عبد اللـه قامة ثقافية، وشخصية يشار لها بالبنان، لما له من بصمات واضحة في المشهد الأدبي والثقافي والإعلامي الفلسطيني، بانغماسه في الهم الإبداعي والثقافي والمجال الإعلامي وتقديمه للبرنامج الحواري "عاشق من فلسطين" الذي استضاف من خلاله العديد من الشخصيات الأدبية والفكرية والثقافية الفلسطينية اللامعة على الساحة الأدبية. 
كتاب "دمعة ووردة على خَد رام اللـه" صادر عن الكلية العصرية الجامعة، ويقع في 150صفحة من الحجم المتوسط، صمم غلافه الخارجي الفنان غازي نعيم، وأهداه إلى “إياس” حيث كتب له: "كُنتَ في أيام الحَجر صديقًا ومعينًا وونيسًا، تابعتَ مساقاتك في الهندسة عبر نظام التعلم عن بعد، وعيناك تنغرسان في شاشة الحاسوب، بينما كان قلبك يمشي في أرجاء البيت، يبلسم وجع أيام أبيك تارة، ويمد العون لأمك بيَدَي نَبضِهِ تارة أخرى، لتنتهي ساعات يوم الحَجر محروسة برموشِ عينيكَ ونبضِ قلبك"، ويشتمل على 12 نصًا ادبيًا مختلفًا. وهذا هو الكتاب العشريني الذي يصدر له، وله كتاب آخر بعنوان "رام اللـه تصطاد الغيم" الصادر العام 2010.
الكتاب عبارة عن قصص كتبت في بدايات الكورونا، وهي نصوص مكانية بامتياز، وإن كان عنوانه يحمل رام اللـه، إلا أن حسن يأخذنا إلى أماكن عديدة، ويجري مقاربات بين مدن فلسطينية وأخرى عربية من خلال تجربته المباشرة مع هذه المدن، فيقارب بين عمان ورام اللـه، ونابلس ودمشق، وأسواق وجدة المغربية العتيقة وأسواق القدس العريقة. وفي مقارنته بين عمان ورام اللـه يشبههما بامرأتين جميلتين لكل منهما خصوصيتهما التي فيها الكثير من المقومات المتشكلة من خصوصية أخرى. 
وهو يكرس نصه الأول لرام اللـه، المكان الأول من خلال جولاته المسائية في رحابها وشوارعها وحاراتها وساحاتها برفقة صديقه الكاتب جهاد صالح، الذي يتناول جزءًا من سيرته الذاتية، لا سيما أن جهاد صديقه جاء إلى الدنيا في عام النكبة وعاش حياته متنقلًا بين عواصم مختلفة، قبل أن يستقر في رام اللـه، لتتبلور تجربته الأدبية والثقافية والفكرية وتنضج بين محطات هذه المدن.
حسن عبد اللـه مسكون بالمكان، وعلاقته به تشكل هاجسه الدائم، وهذا نابع من ايمانه أن جدلية العلاقة بين الكاتب والمكان هي التي تبلور وتشكل التجربة بسمائها ونسائمها. والمكان في نصوصه ليس حجارة جامدة أو شوارع وطرقات وأزقة، بل إنه يحس ويرى ويتفاعل ويبعث طاقة في الناس. وهو يتحدث عن رام اللـه المكان في طفولته ومراهقته وشبابه وجيله المتأخر، وينظر إلى رام اللـه القديمة بكل الشوق والحنين والحزن. وفي كل قصة من قصص الكتاب نجد جولة حقيقية في المكان، يضاف إليها جولة خيالية من خلف طاولة مكتبه في بيته، حيث يتجول في شوارع وأسواق وازقة رام اللـه، ويجري حوارات متخيلة، ويمزج بين الحقيقي والمتخيل.
تتميز نصوص الكتاب في سلاستها وانسيابية أحداثها، وجاءت بأسلوب مشوق سلس وماتع، ويلمس القارئ فيها الفكاهة النابعة من العفوية الجميلة بطعم الذكريات العذبة، واللغة المباشرة الرشيقة القريبة إلى لغة الشعر، فضلًا عن الصور الإبداعية الدقيقة والتوصيف البديع للمكان، وتوظيف الأسطورة، والتنوع في الأماكن والجماليات، والجمع بين التاريخ والأسطورة والواقع والخيال الفنتازي.
إنها باختصار لوحات باذخة الدهشة، بليغة التعبير، متماسكة الصياغة، تجعلنا نعانق المكان الفلسطيني بكل مكوناته، تجلى فيها حسن عبد اللـه بعبق الجمال والتاريخ والحضارة والشعر والنثر والأدب والفكر. 
فألف تحية للصديق الكاتب حسن عبد اللـه ونرجو له المزيد من العطاء والتألق والتوهج والحضور الأدبي.






Share To: