الأديب عماد الدين التونسي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "طبيب النفس مولاها "


في غمة الضيق ووسط ضبابية النفس ووحشة المحيطين به ،إشتاق الضّلّيل لدقات قلبه ، فقد ضاعت عنه٠ ٠ ٠! 
فخرج باحثا عنها! بين السهول و الهضاب والجبال والسفوح والقباب ،بين الصغار والكبار ،بين الذكور والإناث لكنه إحتار!!! فلا غيار لقلبه المحتار٠!
وبعد كامل النهار ،دخل الضّلّيل سوقا ، فوجد العجب العجاب...
-أناس بالمئات ،كل واحد منهم قلبه بين يديه محمول ، يبحث عن شئ له ليصلحه..
وشاهد في هذا السوق عشرات الباعة.. و ،هل الطب.. والتبديل.. والتصليح.. والخبرة.. والإختصاص..وكل واحد ينادي على بضاعته..
-قال لأحدهم: "قلبي إختلفت دقاته !!"
-فردعليا واثقا من نفسه : "تعال.. . إقترب"..
ووضع أذنه اليمنى على موضع قلبي ،وأنصت.. 
ثم صاح : "يا ولدي لا تجزع دواؤك بسيط.."
-"القلوب عندنا ،نعالجها والقلوب أنواع.."
قال له الضّلّيل : "اشرح لي.."
-قال : "من خبرتي التي ورثتها من أبي عن جدي"
"في الدنيا ، قلب مشروح..وقلب مجروح.. وقلب مذبوح.."
"قلب رحيق.. وقلب سحيق.. وقلب حريق.. وقلب غريق.."
"قلب منقوع.. وقلب مفجوع.. قلب سليم.. وقلب عليل.. وقلب سقيم.. قلب فياض.. وقلب جياش ..."
"قلب مغرور.. وقلب مسرور.."
"والبحث يطول ،فسبحان مقلب القلوب.."!!!
-تعجب الضّلّيلوزاد : 
"جئتك بحيرة واحدة فجعلتها بحيرات.."!!!"
-فضحك العارف الحذق.. وتبسم قائلا: 
-" ياولدي ،لاتجزع ،عندي لك ولكل من يأتيني وصفة واحدة.."
كل من جربها ،تعافى بإذن الله..فأتني بقلم وقرطاس وأكتب عني" :
-"ياولدي، رزقك مقسوم فلا تتعب..وقدرك محتوم فلا تجزع..وصديقك عاجز فلا تأمل..وعدوك ضعيف فلا تخشى.."!!!"
--"ياولدي،طهر قلبك من ثلاث"
"الكره..والحقد.. والرياء..."!!!
--"وزينه بثلاث....""
"الصدق والإخلاص والورع".."!!!
-"وإجعل في قلبك ثلاث..."
"التسليم للمولى...وحب سيد الورى..ودوام شكر الخالق في السراء والبلوى...."
"وأترك الخلق للخالق.. وانشغل باصلاح حالك.. ودع أحوالهم.."
-"وليكن لك ثلاث..."
"لسان ذاكر..وجسد صابر..وعقل متبصر عارف....."!!!
-"وأهرب من ثلاث .."
"الحديث عن الناس..وهوى الناس..والجلوس مع من لا خير فيه من الناس.."!!!
"فالإستئناس بالحديث عن الناس من علامة الإفلاس...."!!!
وختم حديثه مضيفا .."القلب يرقّ ،وفإذا يرقّ يروق ،وإذا يروق يذوق ،وإذا يذاق يفوق ،وإذا يفوق يشتاق
وإذا يشتاق يجتهد ،وإذا يجتهد ،هبت عليه النسائم ،فيفرح ،ويصير من اسعد الناس ، فمن ذاق عرف ،
ومن عرف اغترف ، تناول دواك ومن الله شفاك .."
قبل الضّلّيل العارف وإنصرف راجعا لداره ..
وما أن لمحت عيناه أمه حتى بادرك بالحديث راويا لها ما حصل ،لكن الأم الحنون 
إختزلت كلا مه بجملة واحدة :"طبيب النفس مولاها ."!!!
صمت الصبي وزادت دهشته وخرج متثاقل الخطى ،مرددا:"طبيب النفس مولاها "
وبين عينيه وصية عليه العمل بها ...ولعل بها راحته وإنتظام دقات قلبه..
.... وزهاء روحه....






Share To: