الكاتب السوداني عبدالمنعم عبدالرسول الضي يكتب نصًا تحت عنوان "عبق ذكراها" 


كانت أيامنا تسير  بروية، وسلاسة و كأن القدر قد تضامن معنا
هذه المرة! وبدأنا بوضعِ خُطة مُحكمة عن مُستقبلِنا، و طفقنا نرسُمُ لوحة أحلامِنا بأزهى ألوان التمني تلك الأوهام التي يُصدقها العشاق قبل الإنفصالِ، خريطةُ منزلنا التي رسمناها، و ألوان جُدران الغرف، و أسماءُ أطفالنا.
يبدو بأننا أسرفنا قليلاً أو رُبما كثيرًا في شربِ خُمُورِ الوهمِ؛ التي ذهبتْ بعقلينا، و نسينا أو تناسينا بعدها بأننا نسير في طريق مليئ بالتحدياتِ كُتِبَ في بدايتهِ بالخط العريض إنتبه الطريقُ مُفخخٌ بالأوهامِ!  ولكن السائق من فرط الحماسِ لم ينتبه، طريق  يجبرنا على السير فيه دون أن يترك لنا حق التخير ما بين المضي قدمًا أو الإنسحاب قبل الأصطدام بمطبات الحقيقة.
و أخيرًا جاءَ اليومُ الذي انجلت فيهِ سُحب الوهم، و بلجت فيه شمسُ الحقيقةُ؛ لتجلدنا بسياطها الحارقةِ مائة جلدة، و تطهرنا من الخطئية.
رنّ  هاتفي و إذا بأسمها يعلو شاشة جوالي فرنَّ قلبي معه ايضًا
ردتُ عليها، و اللهفة أخذت مكانها مني، ولكنها لم تكن كذلك اكتفت بقولِ لا أستطيعُ محادثتك الآن علينا أن نلتقي وجه لوجهِ فالأمر بالغٌ في الأهميةِ، و أغلقتْ الهاتف.
ألتقيتها ،وجلسنا سويًا، و كان الصمت ثالثنا كُنت أتساءلُ من هو المسؤولُ عن إغتيال الكلمات؟! كُنتُ أتجولُ بنظري في وجهها الذي يبدو حزينً تارةً، ويبتسمُ تارةً أخرى، و أخيرًا قررتْ بأن تخرجَ من شرنقةِ الصمتِ تلك، و تفصح عن نواياها، ويا ليتها لم تفعل! أخبرتني بأن والدها قد أجبرها على الزواجِ من إبن صديقهِ المُقرَّب، وهي   التي كانت تُخبرني بأنه لن يفرق بيننا سوى القدر، و لكنني لم أكن أتخيلُ بأن القدرَ سيكون على هيئةِ  رجل إنجليزي الطراز  يأتي بسيارتهِ المرسيدس الفارهة.
دائما ما تلعب المرأة دور الضحية في مثل هذه المواقف تاركتاً اللوم للرجل وحده؛ ليتجرع بعدها مرارة الأسى  بحجة إنها ضعيفة، وليس بيدها حيلة.
وجهتْ إلي سؤال، و هي تعلم إجابته سلفاً  هل ستتقدم لطلبِ يدي للزواج؟
و كأنني ندٌ لذلك الأحمقُ المدلل، و أنى لي أن أخوضَ في حربٍ محسومةِ المصير؛ إن الذي بجيبهِ يفوق الذي بجيبي، فجيبي لا يتسعُ لحجمِ أحلامُها الكبيرةِ تلك فهو سيمنحها المالَ، ولكن لن يستطيع رجلٌ سواي أن يعطيها  مثل ذلك الحبِ الذي بداخلي،
و أخيرًا ختمتْ لقاؤنا بعباراتِ الأسف ِ تلك التي تُقالُ قُبيل الفراق مثل: أرجوك لا تحزن  و كل شيء قسمة، و نصيب ...
و تركت لي بطاقةُ دعوةِ زفافها، و كأنني من النوعِ الاخرق الذي سيذهب ليرى معشوقتهُ، و هي تتأبطُ يدُ رجلٍ آخر! نعم لن أكرهها، ولكن على الأقلِ لن أكذبَ على نفسي فالضربة التي لم تقتلني ستقويني هذه المرة.
ذهبتْ، و تركتني أنظر اليها كالأصمع محاول أن أدرك حقيقة هذا الأمر؛ إن كان حقيقة أم محض كابوس مزعج كنت أحاول أن أرتب فوضى الحواس على تلك الطاولة المأساوية ذهبت، و تركتني أسير خيبتي، و كأن الخرطوم بسياراتها، و ضوضائها قد تحولت إلى مكتبة قُراء من فرط الهدوء الذي يخيم في المكان، و كنت أحاول أن ألعب ورقتي الأخيرة؛ لآخذ منها حفنة عشق تسد رمق مجاعتي العاطفية إليها ،ولكنها مضت دون رجعة، و تركتني اطارد طيفها في كل مكان يحمل عبق ذكراها، و أصيح: يأيها الملأ افتوني في سبعِ سنين من العشقِ يأكلهن سبع أيامٍ من الترفِ. 






Share To: