الكاتب / عبدالله مرجان يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "المرآة"
كعادتي كل مساء أقصد المقهى المحاذي لمحطة القطار ، في يدي رواية العفاريت ، وهي لا تفارقني ، لأنها تذكرني بطرائف "طويرة "رفقة مجانين ضريح سيدي مسعود بن احسين ، أجلس في مقعد في زاوية قصية بعيدا عن ضجيج كائنات بشرية أدمنت التفاهة، وجوه كئيبة استسلمت لقساوة الزمن فرسمت فيها أخاديد عمودية وأخرى أفقية، تختلف عن وجهي الذي غطته لحية فوضوية تعري سخطا عارما على واقع تعيس، طلبت كأس قهوة سوداء، طلب الجاثم أمامي هو أيضا فنجان قهوة سوداء يبدو متجهم الملامح ، بالكاد أبصره تحت ضوء خافت ، ارتشف الرشفة الأولى وأخذ يحملق في، وأنا الآخر أحملق فيه، كان يبتسم كما أبتسم، يفتح نفس الكتاب، حين أفتحه، أنتابني خوف شديد، ما عدت ألتفت إليه، تساءلت في قرارة نفسي إن كان لا زال يراقبني، أردت أن أتأكد من ذلك، فرفعت رأسي من جديد، وإذا به يطيل النظر في، كما أطيله أنا أيضا فيه، سرت في جسدي المرتبك برودة ثلجية، ما عدت أدري ما أفعل ازداد خوفي واقشعر بدني، فرغت المقهى من روادها إلا مني، كنت أنتظر أن يغادر ذاك الجاثم أمامي الذي يرمقني دون أن يتكلم، كان يفعل كل ما أفعله، يقلدني في كل حركاتي، ويرمي بي في عالم الخوف المفرط وتزداد دقات قلبي، تمنيت لو أنه غادر المقهى ليزيل حملا ثقيلا ينوء به صدري، طال إنتظاري وأوشك النادل على إغلاق المقهى وهذا الغريب لم يبارح مكانه ، هل أنسحب وأتركه ورائي، همست في دواخلي :لا ، لا ، تم لا، قد يتعقبني في الخلاء المترامي الأطراف ويفتك بي بعيدا عن الأنظار ، ترددت كثيرا، لكني غالبت خوفي ونهضت من مكاني، ولما أبصرته، وجدته واقفا أيضا، يتأهب لمغادرة المكان، تجاهلته وخطوت الخطوة الأولى فخطا هو أيضا، كأنه يشعرني بإصراره على ملاحقتي، فجأة إلتفت محاولا رصده، فلم أجد له أثرا، توقفت في مكاني وأسناني تصطك من شدة الخوف، وأخذت أبحث عنه دون أن أعثر له على أثر.
تمتمت قائلا :
بسم الله الرحمان الرحيم .
قد يكون جنيا هذا الذي ظل يراقبني، ثم تبخر فجأة ، فكرت قليلا، ثم بدت لي فكرة، حولتها في ذهني فركضت بأقصى بسرعة صوب منزلي وأنا ألتفت يمينا وشمالا، متوجسا من أعتراض خصمي لسبيلي بين الفينة والأخرى، لم أنم الليلة بالكامل، في اليوم الموالي عدت للمقهى للتأكد من شبح ظل يطاردني من إنسان وضيع أصر على تخويفي، وجلست في المقعد نفسه ورواية العفاريت في يدي، وجهت بصري صوب المكان نفسه الذي نكس عليه فيه البارحة ذاك الرجل المخيف راحتي ، فلم أبصره، استلقيت على قفاي من الضحك حتى كدت أصطدم بجدار المقهى، أدركت متأخرا أن النادل أزال المرآة من المكان الذي كنت أراني فيه، أنا ذاك الوحش الذي أخافني.
الكاتب / عبدالله مرجان يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "المرآة"
Post A Comment: