الكاتبة المغربية / إكرام لعرج تكتب "صبرا" 




صديقتي  اختفت بسمتك تلك التي كانت تضيئ الكون تضفي على الحياة رونقا بهيا ،عزيزتي تسألينني:لماذا لم يمنحني الرب ما سألته إياه؟ لما الحياة هكذا رياحها تمزق اشرعة سفننا  وتغير اتجاهاتنا بالرغم منا ؟

غاليتي يا أخيتي هل لي أن أسألك حينما تذهبين إلى الطبيب  هل يعطيك الدواء الذي تريدين ، هل يسألك عن طعم الدواء الذي يروق لك ؟

_لا يا رفيقتي بل يعطينا دواءا ذو طعم لا يطاق انت تعلمين كم اكره الأدوية 

_الآن اسمعيني جيدا ، الطبيب يعطيك الدواء الذي تحتاجينه وليس الذي تريدينه،  وكذلك الأمر ينطبق على دعواتك التي لم تستجب وعلى مسارات حياتك .

-هلَّا وضحتي لي اكثر 

-طبعا يا غالية ، لعلك تطلبين من الله ما فيه مضرة لك لأنك تنظرين إلى الأشياء بنظرتك البشرية القاصرة،  والله يدبر الأمر بكامل علمه ، فيصرف عنك ما يضرك ويسوق اليك ما فيه خير لكِ، حسنا دعيني اعطيك مثالا اخر علَّكِ تفهمينني بشكل أفضل،  لا شك انك تعلمين ان الطفل الصغير ان رأى حبوب دواء يبكي بحرقة لأنه يريدها لكنه ولقصر ادراكه لا يعلم بمضرتها فيظنها حلوى او ما شابه ، يأتي الاب او الام فيمنعه من الحصول عليها ،الآن وفي هاته الاثناء الطفل يحسب سلوك والده حرمانا له ، ولكن الأبوين يدركان ان بعض الحرمان عطاء ! هكذا يدبر الله الامور برحمته و حكمته فتأدبي. 

كوني على يقين دوما ان تدبيرات الله كلها خير لك ، لعل الله أراد ان يعطيك ما سألتي لكن الوقت لم يحن بعد ، فتدبير الوقت جزء من حكمته التي لا نراها ! تذكري دائما أن هناك أشياء عليك أن تنضجِ لتحافظي عليها .

عزيزتي اقرأي قوله جلا علاه "ولما بلغ أشده اتيناه  حكما وعلما " ، لو فرج الله عن يوسف عليه السلام اول الأمر ماكان ليصل إلى كرسي المُلك ، كان بين القضبان ولكن يد الرحمن كانت طليقة تدبر الأمر وتهيئ الأسباب للعطاء الاعظم .. . يا أخيتي ان في قصص الأنبياء والرسل و الصحابة الصالحين عبرة فتأملِ واعتبري! فمثلا عندما أراد المسلمون ان يشهروا سيوفهم في مكة ويدفعوا عن أنفسهم الظلم تأخر الإذن بالقتال لما بعد الهجرة ، لأن الله أراد ان يربيهم اولا ، لأن السيف الذي ليس وراءه عقيدة سرعان ما ينحرف وقد أراد ربك ان تحمل السيوف اعلاءً لكلمته،  لا انتقاما من العدو ولا انتصارا للذات ! 

يا أختاه عشر سنوات لموسى عليه السلام  في مدين لم تكن مضيعة للوقت بل كان على الظروف ان تتهيأ في مصر لقدومه وكان هو ايضا ان يصقل جيدا ، فالتأخير اعداد وصقل والحمل ثقيل، وكمثال اخر صبر نبي الله أيوب عليه السلام على البلاء اذ انه كان غاية في الصبر، وبه يضرب المثل في ذلك، قال تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ )

(يذكر تعالى عن أيوب، عليه السلام، ما كان أصابه من البلاء، في ماله وولده وجسده، وذلك أنه كان له من الدواب والأنعام والحرث شيء كثير، وأولاد كثير، ومنازل مرضية. فابتلي في ذلك كله، وذهب عن آخره، ثم ابتلي في جسده -يقال بالجذام في سائر بدنه- ولم يبق منه سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر بهما الله عز وجل، حتى عافه الجليس، وأفرد في ناحية من البلد، ولم يبق من الناس أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت تقوم بأمره بالرغم من كل هذا صبر واحتسب اجر صبره لله ف شفاه  الله وعافاه  بعد صبر طويل وأجر عظيم جراء هذا الصبر المنقطع النظير .

لهذا عزيزتي ان منعت مطلقا فهي رحمة، وان اعطيتي فهي حكمة وان تأخرت العطية فهذا ليس اوانها  .

والسلام لعينيك الجميلتين




الكاتبة المغربية / إكرام لعرج تكتب "صبرا" 

Share To: