الكاتبة / سهام محجوبي تكتب مقالًا تحت عنوان "النِعم الخَفِية"
رأيت مؤخرا مقطعا مصورا لرجل مُسن سقط وانسكب حَليبه في الطريق بينما كان يحمله فوق دراجته، وهو ذاهب لبيعه، فأسرع الناس حوله لمساعدته على النهوض. بعد انتشار الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي عرض الكثير من المشاهدين تعويضه عن بضاعته. لكن ما أدهشني هو رفض هذا الشيخ المساعدة، وملامح الرضا بادية على وجهه، والتي يفتقدها الكثير منا، وكأن لا شيء وقع له. فالرضا يجعلك مُرتاحا وسعيدا مهما كانت العواصف التي تهب حولك. لكن كيف يمكننا العيش في هذه الحياة والرضا لا يفارقنا؟
لعل الرضا عن عطاء الله يكمن في تركيزنا على النعم الخفية التي لا نراها، أو اعتدناها لدرجة لم نعد نُقدر قيمتها، ولن نُقدرها إلا بعد فقدها. فكل واحد منا يملك نعما تجعله راضيا، ولكنه لا ينتبه إليها، وهذه هي النعم الضائعة، لأن صاحبها لا يراها أو يدركها، وتلزمه البصيرة والتفكر ليحس بوجودها. لذلك هو بأمس الحاجة لجلسة تأمل بين الفينة والأخرى ليبحث عن النعم الضائعة التي يملكها، فيجدها ويجعلها مركز اهتمامه، ومصدر سعادته، وينسى نواقصه التي لو علم سبب حرمانه منها لشكر الله طوال حياته، فبعض النواقص في حياتنا هي نِعم في حد ذاتها ونحن لا ندرك ذلك. فأنت عندما ترضى عن كل ما في حياتك من نواقص، فإن السعادة لن تغادرك لأنها نابعة من نظرتك الخاصة لما حولك بغض النظرعن نظرة الآخرين أو معتقداتهم، ركز على الأشياء الجميلة في حياتك وتغافل عن السيئة.
أنا أؤمن أن الإنسان يستطيع أن يسعد نفسه بغض النظر عن ظروفه ومكانه وما يحيط به من مُعيقات. فالسعادة قرار قبل كل شيء، ويكفي أن تحس نفسك غني عن أي شيء تظن أنك بحاجة إليه، ولا تستطيع العيش من دونه. وترضى بنصيبك الذي وهبك الله إياه، فحتى لو كنت تراه غير كاف، فغيرك يتمناه. إذا كنت تركز باستمرار على أشياء لا تملكها، فأنت لن تستطيع تقدير ما لديك الآن في هذه اللحظة من نِعم. تظهر الأبحاث أن الكتابة عما أنت ممتن له في حياتك يمكن أن يؤدي إلى راحة نفسية تغمرك لتجد نفسك بعد ذلك سعيدا. لا شك أنك تملك نِعما خفية أنت لا تراها في حياتك وغيرك يتمناها، فارجع النظر، وابحث وإلا ستكون نِعما ضائعة لا تحس بوجودها، أوليس لها قيمة بالنسبة إليك. ستجد راحتك في لحظة رضا بينك وبين الله، لتتبعها لحظة شكر نابعة من صميم قلبك. ستجد سعادتك وأنت تستمتع بنعمك الضائعة، فالسعادة ليست في امتلاك كل شيء، وإنما في تقدير ما لديك، فالله يمنحك ما أنت بحاجته وليس ما أنت تريده، لحكمة فقط هو من يعلمها.
Post A Comment: