الكاتب المصري / أحمد عيسى يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "وليمة في بيت فقير" 




تسلَّم الموظف راتبه، فكَّر ملياً في دعوة زملائه على الغَدَاء، ثم انتصر على نفسه وانتفض يتصل بأصحابه يسألهم: 
ماذا ستأكلون؟
قال أحدهم: آكل دجاجاً مشوياً.
وقال الآخر: أبغي سمكاً مخلياً.
وقال ثالث: أشتهي لحماً مقلياً.
وقال رابع: أريد كُرَاعَ حَسَاءٍ طَرياً.
وقال الأخير: ثَريد بلحم ضأنٍ وأَلْيَة.
أنهى الموظف اتصالاته، وأطرق مبهوتاً يدرس الموقف، ثم ناقش مع زوجته المأزق..
الموظف: هل سمعتِ ما جرى؟
زوجته: نعم، هكذا شأن الوَرَى.
الموظف: دجاجٌ وسمكٌ ولحمُ كُرَاعٍ وضأن؟!
زوجته: الناس مذاهب فيما يعشقون ويشتهون.
الموظف: وكيف نعيش طَوَال الشهرِ إن جُدنا بما يرغبون؟
زوجته: هل نسيتَ أن "الله هو الرزاق ذو القوة المتين"؟!
الموظف: لكن هذه دنيا أسباب.. ونفقة بيتٍ ودِقّة حِساب.. 
ولولا سابق إكرامهم لدعوتُهم على شاي بلبنٍ ومقرمشات.
زوجته: الأهم لقياكم وتآخيكم ولا عليك من هَمِّ المُشتريَات.
الموظف: لكن المأدبة كما سمعتِ غالية القيمة.. كلفتها عظيمة.
زوجته: سيدبرها الله بلطفه وقدرته وواسع كرمه وحكمته.
الموظف: هذا نصف الراتب لا تُسرفي بالله عليكِ واقتصدي وتقشفي.
زوجته: سأبذل قُصَارَى وُسعي فارتقب جميلَ تصرفٍ وأبشر بالفَرَج والفرح.
الموظف: بعد أسبوعٍ ملتقى أصحابي على الغَدَاء.
زوجته: سأمضي الآن يا زوجي للسوق إلى اللقاء.
كانت الزوجة قد ابتاعت خلال الأسبوع حاجياتها، فنظفتها وخزنتها، ثم نهضت في يوم الوليمة فجراً، وشرعت في سلقٍ وطهي، وتحمير وشَي، ولم تنسَ سَلَطَاتٍ ومُقبلات، ولا عَصائرَ طبيعية وحلويات.
أقبل الضِّيفَانُ تباعاً وقد اشتموا عند مدخل البيت ألواناً من النِّعَم، وصنوفاً من الآمال والمُتَع، فمن رام حَسَاء وجد ريحه، ومن رجا كُرَاعاً أَلْفَى بَرِيدَه، ومن داعبَه شوقُ المشوي داهمه دُخَانُه وأريجُه، ومن أرادها مقليَّات قَرَّتْ عينه، ولَذَّ نَظَره، بعد انتشاء وابتهاج أنفه وشمه، وانشراح صدره ونفسه.
وبعد الوليمة..
الموظف: أخبريني واصدقيني هل استدنتِ فخربتِ بيتي؟
زوجته: أولاً ما رأيك.. تُرى هل قصَّرت في أمرٍ أو توانيت؟
الموظف: بل تفوقتِ ووُفّقتِ.. لكني عن الميزانية سَأَلْت.
زوجته: هذا ما تبقَّى مما أعطيتنيه لم أُنفق إلا عُشُرَه.
الموظف: ما لكِ يا امرأة هل حان دور التهكم والسخرية؟! 
زوجته: لا يسخر قومٌ من قومٍ ولا نساءٌ من نساءٍ عسى..
الموظف: إذاً أخبريني ما الأمر.. ما القصة والخبر؟
زوجته: ترددتُ مِراراً على السوق أنتهز فُرَص بيع اللُّقَط.
ووفقتُ في شراء فواكهَ متنوعةٍ وبُقُولٍ وطماطم وخُضَر.
الموظف: وماذا عن اللحم مقليه ومشويه وكُرَاعٍ بالمرق؟!
زوجته: لحمُ رأسٍ لصغيرِ بَطْشٍ وجملٍ، وكُرَاعُ ماعزٍ وضأن.
الموظف: والدجاج كان منه كبابُ حلَّةٍ وسليق ومشوي؟!
زوجته: أجنحةٌ وهياكلُ ورِقابٌ أعمَلتُ فيها الفنَّ والصَّنْعَة.
الموظف: والسمك كان منه مخليّ ومقليّ ومغمور بالصلصة؟!
زوجته: للمخلي أشتريتُ سمكةَ بلطيٍّ واحدة، أخليتُها وابتعتُ من حلقة السمك رؤوسَ بلطي وقراميط وهياكلَ وزعانفَ بَيَاضٍ كالهُبَر.
الموظف: عليكِ سلامُ الله في الأرض والسموات العُلا!!
زوجته: بالله لا تنشر قِصَّتِي فيفطن السَّاسةُ لحِيلَتي!!






Share To: