الكاتب المغربي / محمد المنصوري يكتب "صفحات مشرقة من التاريخ الاسلامي " الجزء 1




إن الإسلام منذ نشأته ، قد تعرض لمجموعة من الامتحانات و الابتلاءات ، لكن لا طالما كانت هنالك خلافة تقود الأمة الإسلامية و تدافع عن هذا الدين العظيم ، فلقد مر أزيد من 1300 سنة و المسلمون يحتمون تحت ظل الخلافة ، فلما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ، جاء من بعده الخلفاء الراشدين ( أبوبكر الصديق و عمر ابن الخطاب وعثمان ابن عفان و علي ابن ابي طالب ) رضي الله عنهم و أرضاهم ، و لقد شهد الاسلام مع الخلافة الراشدة مجموعة من الفتوحات و الانتصارات ، و لعلى أبرزها كان ضد الروم في عهد الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه و أرضاه و كان ذلك في معركة اليرموك بقيادة الصحابي الجليل سيف الله المسلول " خالد ابن الوليد ابن المغيرة " رضي الله عنه ، كما أن انتصار المسلمين على الروم قد كان بداية توسع المسلمين و بنائهم لدولة متينة ، كما توالت الفتوحات و الانتصارات في عهد الصحابي الجليل عمر ابن الخطاب و الذي كان أول من حمل لقب أمير المؤمنين ، و تميز عهد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بالعدل و الاستقرار و الرفاهية ، كما استمر المسلمون بالفتوحات لكن هذه المرة باتجاه الفرس فلقد اتجه المسلمون لنشر الدعوة الإسلامية في بلاد الفرس، و دارت بينهم معارك طاحنة لعل أبرزها  معركة" القادسية " بقيادة الصحابي الجليل سعد ابن أبي وقاص والذي قاد المعركة من على الفراش نتيجة المرض الذي ألم به ، وقد كانت هذه المعركة معركة فاصلة في التاريخ الاسلامي  ، وهنا سنذكر بطلا من الأبطال المسلمين الذي كان له فضلا كبيرا في إنتصار المسلمين في هذه المعركة  ، وهو القعقاع ابن عمر التميمي الذي قاد المعركة بحنكة و ذكاء ، والذي  قال فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه "لا يهزم جيش فيه القعقاع ابن عمر التميمي" . فبعد هزيمة كل من الروم و الفرس على أيدي المسلمين تضاعفت مساحة المسلمين و أصبحوا دولة ذات ركائز متينة ، لكن بعد وفات امير المؤمنين عمر ابن الخطاب عرفت الخلافة الإسلامية بعض الإضطرابات في عهد الصحابي الجليل عثمان ابن عفان رضي الله عنه وأرضاه لكنه إستطاع أنا يحافظ  على قوة الخلافة  الإسلامية إلى أن قتل على أيدي بعض المنافقين ، وجاء من بعده الصحابي علي ابن ابي طالب و الذي عرفت الأمة الإسلامية في عهده إنقساما في صفوف المسلمين ، فبعد أن قتل الخليفة عثمان ابن عفان رضي الله عنه ، لم يبايع معاوية ابن أبي سفيان الامام علي ابن أبي طالب و لقد كان معاوية ابن أبي سفيان  واليا على الشام في عهد الخليفة عثمان ابن عفان رضي الله عنه ، ودارت بينهم معركة سميت بمعركة صفين و التي انتهت بالتحكم  ،لكن هذا الانقسام أدى إلى ضعف الخلافة الإسلامية الشيئ الذي أدا إلى ظهور الكثير من الفتن و الاضطرابات في الخلافة الإسلامية ، والتي أدت إلى مقتل هذا الصحابي الجليل علي ابن ابي طالب و بعد وفاته بايع أهل العراق إبنه الحسن ابن علي رضي الله عنه و الذي تنازل عن الخلافة لصالح معاوية ابن أبي سفيان و كتبوا عقدا سنة 41 ه‍  في عام سمي بعام الجماعة  و إلى هنا  يكون قد انتهى عهد الخلافة الراشدة ، و بدأ عصر جديد مع الخلافة الأموية  و الذي عرف عدة فتوحات ،  فعلى جبهة الروم توجه المسلمون متوغلون في أسيا  الصغرى حتى و صلوا  إلى محاصرة القسطنطينية و في الشمال الافريقي وصل المسلمون إلى المحيط الأطلسي ومن ثم إنطلقو إلى  الاندلس ، أما في المشرق فقد إمتد الفتح عبر خرسان و بلاد ما وراء النهر شمال و بلاد السند و الهند جنوبا ، وفي البحر المتوسط تم بناء أسطول كبير و بدأت الفتوحات البحرية ، ولقد عرفت الخلافة الأموية عدت ثورات قام بها الخوارج في كل من الكوفة و البصرة تم قمعها بشدة ، ولقد تسببت توليت يزيد ابن معاوية لولاية العهد بمزيد من الإعتراضات على الحكم الاموي ، و مع توليت يزيد شهد الخلافة الأموية المزيد من الاضرابات و الفتن و لعل أبرزها خروج الحسين ابن علي ابن ابي طالب و إستشهاده بكربلاء و كذلك إعلان عبد الله ابن الزبير أحقيته بالخلافة و الدعوة لنفسه ة إستقلاله بالحجاز ثم سيطرته على العراق ، ولقد شهد المسلمون في هذه المرحلة حروبا و فتنا طاحنة بين عبد الله ابن الزبير و يزيد ابن معاوية ، فلقد أرسل يزيد ابن معاوية الجيوش لقتل عبد الله ابن الزبير و تمت محاصرة مكة و لقد توفي يزيد ابن معاوية أثناء هذا الحصار، و بعد وفاة يزيد ابن معاوية تولي إبنه معاوية ابن يزيد الخلافة لمدة 40 يوما وإعتزل الخلافة حتى توفي  ومع وفاة معاوية الثاني تنتقل الخلافة من البيت السفياني إلى البيت المرواني بشخص مروان ابن الحكم الاموي ، كما كان عبد الله ابن الزبير لا يزال الخليفة في الحجاز . ومن أهم ما جاء به هذا العهد هو إعتماد مبدأ توريت الحكم  في الأبناء وهذا المبدأ يتنافى مع ماكان عليه الخلفاء الراشدين ، الشيئ الذي سيؤدي إلى الكثير من الحروب و الفتن في مستقبل الخلافة. فالخلافة الأموية على  الرغم من وقوعها في الكثير من الفتن إلا أنها إستطاعت أن تقوم بالكثير من الانجازات و الفتوحات لكنها لم تستمر طويلا ، و لعل ذلك راجع إلى تعرض خلفئها إلى الهو و الابتعاد عن ما كان عليه الخلفاء الراشدين الشيئ الذي أدى زوال الخلافة الأموية ، بعد أن إستمرت لما يقارب 91 سنة . لكن المسلمين لم يكونوا متعودين على البقاء بدون خلافة وهنا ستظهر الخلافة العباسية و لقد سميت بالعباسية نسبة إلى العباس ابن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعد إنتصار العباسيين عل الأمويين و قتل أخر خلفاىهم تمكن العباسيين من السيطرة على الخلافة الإسلامية ، و كان أول خلفاء بن العباس ، هو ابو العباس السفاح سنة 132 ه‍ ،  و مع توليه الحكم بدا دور التأسيس و توطيد أركان الحكم العباسي و لقد استمرت الخلافة العباسية لأزيد من 500 سنة ، ولقد تم في عهد المنصور بناء مدينة بغداد والتي نشطت فيها الحركة الثقافية و الفقهية كما بدأ ظهور المذاهب الإسلامية  ،  و شهد المسلمون مع الخلافة العباسية العصر الذهبي للخلافة و خاصة مع الخليفة العباسي هارون الرشيد فلقد حدثت إصلاحات داخلية كثير و إستمرت الفتوحات ونشر الدعوة الإسلامية خصوصا في القوقاز و  واسيل الوسطى و الاناضول كما ثمت محاصرة القسطنطينية عدة مرات ، كما عرفت الخلافة العباسية مجموعة من الحروب و الفتن الداخلية و كان ولعل أبرزها دخول  بقيادة هولاكو إلى بغداد و جاء ذلك نتيجة ضعف الخلافة العباسية و عدم قدرتها على التصدي للهجمات الداخلية و الخارجية ، فلقد شكل هجوم التتار على بغداد الضربة القاضية للخلافة العباسية ، و تسبب ذلك في ضمار كبير للأمة الإسلامية فعندما دخلت جيوش هولاكو  إلى بغداد قاموا بتدمير المدينة بالكامل و حرق كل ما فيها و تدمير مساجدها و مكاتبها و تقول بعض المصادر " أنه عندما دخل التتار إلى بغداد قتلوا على ما يزيد من نصف مليون شخص " ، فلما سقطت بغداد عم الظلام على الأمة الإسلامية لكن الخلافة الإسلامية لم تنتهي بعد فهنا ستنتقل الخلافة العباسية إلى القاهرة ، و سيصبح اسمها دولة المماليك و التي يتشكل بداية نور بالنسبة للمسلمين بعد ان عم الظلام على الأمة الإسلامية ، فلقد قامت المماليك بقيادة السلطان سيف الدين قطز و الضاهرة بيرس بإزالة الخطر القادم من التتار على الأمة الإسلامية و كان ذلك في معركة عين جالوت سنة 658 ه‍ ، حيث انتصر المسلمون على التتار في عين جالوت و ألحقو بهم شر هزيمة و كان هذا الانتصار أول إنتصار للمسلمين على المغول ، وقد استمرت الخلافة المملوكية حولي 200 سنة ، عملت خلالها على الحفاظ على الدين الإسلامي و نشر الدعوة الإسلامية كما شهدت عدة فتوحات . لكن ظهور الدولة العثمانية و توسعها غربا و شرقا أدى إلى إصطدامها مع دولة المماليك ، و دارت بينهم معركة طاحنة إنتصر خلالها العثمانيين و تم قتل السلطان قنصوا الغوري و و بعد وفاة الغوري تولى من بعده طومان باي السلطنة ، لكن العثمانيين لم يكتفوا بقتل السلطان الغوري و توجهوا إلى القاهرة و تم قتل السلطان طومان باي و هنا تكون قد إنتهت الخلافة المملوكية ، وبدأ عصر جديد مع الخلافة العثمانية حيث أعلن السلطان سليم الاول نفسه أول خليفة عثماني على المسلمين ، وجاء من بعده إبنه السلطان سليمان  القانوني كثاني  خليفة عثماني للمسلمين ، و الذي عرفت معه الخلافة الإسلامية فتوحات كثيرة و قد شهدت فترة حكم القانوني العصر الذهبي للخلافة الإسلامية العثمانية ، إذ أن الغرب لقبوه بالرجل العظيم و إستمرت الخلافة العثمانية حوالي 400 سنة شهد خلالها المسلمون إستقرارا و إقتصاديا و ثقافيا ودينيا ، لكنه بعد مع مرور الزمن عرفت الدولة العثمانية إنقسامات داخلية و صراعات بين الاخوة على العرش ، مما أدى إلى فقدان الدولة العثمانية مكانتها حيت وصفها الغرب بالرجل المريض ، الشي الذي دفع الغرب إلى الانتقام مما فعله العثمانيين بهم طيلة 500 سنة ، بالإضافة إلى المكانة الاستراتيجية التي تتمتع بها الدولة العثمانية ، و إحتكاكها بالغرب أدى ذلك إلى ظهور حركة علمانية أدت إلى زوال الخلافة الإسلامية العثمانية ذلك سنة 1924 م ، هذا التاريخ الذي سيشهد فيه العالم الاسلامي أول مرة إنهيار الخلافة الإسلامية حيت كان أخر للمسلمين السلطان عبد المجيد الثاني ، وبعد هذا التاريخ سيدخل العالم الاسلامي في ظلمات و صراعات داخلية و خارجية . الشي الذي دفع ببعض الدول إلى تأسيس أحزاب ذات مرجعيات إسلامية لكن لطالما كانت الحاجة إلى خلافة إسلامية حقيقية تسد فراغ الأمة الإسلامية ، كما أدى غياب الخلافة الإسلامية إلى فسح المجال أمام أعداء الدين الإسلامي لبث السموم و الفتن بين الناس ، بالإضافة إلى أن الدين الإسلامي أصبح يستخدم في الكثير من الأشياء كالإنتخابات و غيرها وهذا أصبحنا نشاهده اليوم في واقعنا ، وكل ذلك راجع إلى غياب خلافة إسلامية حقيقية تقود الأمة الإسلامية نحو الامام .


الكاتب المغربي / محمد المنصوري يكتب "صفحات مشرقة من التاريخ الاسلامي " الجزء 1


Share To: