الاستاذة مروة الشعراوي  من مصر في قراءة لرواية رحيل بلا وداع للكاتب المغربي محمد الخرباش 




غرفة حزينة

تستوطنها الذكريات

وكرسي فارغ

وكتاب مفتوح

وتربة تسقى

كل جمعة 

استوطنت فوقها

اغصان الريحان 

وخُط اسمه… هناك

على رخامة عند رأسه

كتب عليها

هنا يرقد المرحوم… فلان



تقترب رواية " رحيل بلا وداع" للمؤلف المغربي / محمد الخرباش من مهجع كل ذاكرة موصدة على فقد موجع أخلفه انتشار الوباء الذي حل على عالمنا منذ مطلع العام ٢٠٢٠.


جاءت الرواية هنا كعملية تفريغ ذاكرة زاخرة بالتفاصيل الدقيقة لمشاهد احتضار العالم واستئصال صور الحياة منه ومن ثم ابرازها في سياج الطرح الداخلي للمؤلف بين وصف الحياة اليومية في شوارع مدينة طنجة المعبقة بالسحر الأندلسي من جهة والشاهدة على حكايات الزمن عبر الأجيال المتلاحقة من جهة أخرى ..

لكن ؛ سرعان ما ستفقد الحكايات سيلان الأمل فيها وتتخبط في منجرف يدفعها ، بينما لا يبدو له أي عمق يستوطن المرء منه على أيما نهاية!


يقول : يا إلهى! كم نحن ضعفاء عاجزون! مصائب هبطت علينا من السماء وتفجرت من تحت أرجلنا الأرض!


تتراءى مشاهد هبوط الوباء من سماء صاعقة ، مشحونة بنوبات من الجنون ، لا تعي شيئا مما يعج بالحياة تحت قبوها الشفاف ، لا يمكن التوقع أبدا إلى أين يقودنا الوباء ونحن نتكتم على شفير الخوف الصامت.. تُكْتَبْ العزلة على الانسان دون وعد منها بالزوال!


يقول : أنا أشتاق إلى أهلي جميعهم ، أشتاق سمرنا ، وضحكنا ، واجترار الذكريات .. وشرب كؤوس الشاي " المعشب" مع الأصدقاء ونحن نحرك أصداف لعبة البارشية ، لتقتل بعضها البعض بمقهى حنفطة على حفيف أوراق الشجر ، وقت غروب الشمس وعلى ايقاعات الطرب الأندلسي التي تجعل المنصت لها "منغما " رغم أنفه ، تحت تأثير غمامات دخان " السبسي" و " خردالة" التي تتطفل على حاسة شمك رغما عنك.


" المغرب مغربنا ملكت الروح من زار بلادنا بحبو يبوح".. تفوح من أصداء المعازف رائحة المغرب ، وسمتها في الحياة ، هكذا وقد دلف من أشكال الحياة فيها "خائنا" مُهرب من عالم مفتوح عن آخره بالتقارب الغير مشروط…


يقول : أتى هذا اللعين من بعيد وكأنه أفعى " الأناكوندا " البرازيلية الشهيرة قد غادرت الأمازون ، واستوطنت منزلنا ، وأحكمت عضلاتها الفولاذية حول خلايانا العصبية الدقيقة تعتصرها ، وتتلذذ في نشوة غريبة وترتشف ما يقطر منها!


حينما تكون طريح الفراش تصبح أصوات المارة وهو يعيشون حياتهم بالخارج حلما وأمنية تتمنى أن تعاود عيشها..



عمت المدينة مشاهد من الجحيم ، وخيم الحزن على كل شيء ، وغدت طنجة كلوحة كئيبة من أيقونة عالمية ، رسمها أدفار مونش أو أوجوستاف كليمنت ..



هي رواية عاصرناها بالفعل ، تأريخ لمشاهد من فترة لن تتركنا آثارها  … ربما ، ربما نسمو عنها بالكتابة ، نستحث الحرف أن يخرج من نوابض الألم ، ومن مقبض الذاكرة النواحة ، عسى أن ينفرج، ويزول!


أشياؤك المفضلة لا تزال في مكانها ، حذاؤك على قارعة الباب  ينتظر خروجك!



الاستاذة مروة الشعراوي من مصر في قراءة لرواية رحيل بلا وداع للكاتب المغربي محمد الخرباش


Share To: