فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "الحنين والشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"
من أشد المواقف تأثيراً فيّ المسلم :
تلك المتعلقة بتذكر الصحابة للنبي ﷺ بعد وفاته ، حين يلتفتون فلا يجدونه بينهم بعد أن اعتادوا على رؤيته سنوات طويلة .
صحبوه فيها وعايشوه وأحاطت به قلوبهم قبل أجسادهم وسيوفِهم .
سنواتٍ كان الوحي يتردد فيها بين السماء والأرض ، فيملأ جوانب المدينة نوراً وروحاً :
فَبَينا هُمُ في ذَلِكَ النورِ إِذ غَدا
إِلى نورِهِم سَهمٌ مِنَ المَوتِ مُقصَدُ
فَأَصبَحَ مَحموداً إِلى اللَهِ راجِعاً
يُبكيهِ حَقُّ المُرسِلاتِ وَيُحمَدُ
فَبَكّي رَسولَ اللَهِ يا عَينُ عَبرَةً
وَلا أَعرِفَنكِ الدَهرَ دَمعَكِ يَجمَدُ
🌴قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله ﷺ لعمر :
انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها ، كما كان رسول الله ﷺ يزورها .
فلما انتهينا إليها بكت .
فقالا لها : ما يبكيك ؟
ما عند الله خير لرسوله ﷺ .
فقالت : ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله ﷺ .
ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء .
فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها .
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أنس .
وَأَمسَت بِلادُ الحُرم وَحشاً بِقاعُها
لِغَيبَةِ ما كانَت مِنَ الوَحيِ تَعهَدُ
🌴وأخرج البخاري في تاريخه الأوسط عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ :
قدمنَا الشَّام مَعَ عمر فَأذن بِلَال فَذكر النَّاس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم أر يَوْمًا أَكثر باكيا مِنْهُ .
وَما لَكِ لا تَبكينَ ذا النِعمَةِ الَّتي
عَلى الناسِ مِنها سابِغٌ يَتَغَمَّدُ
فَجودي عَلَيهِ بِالدُموعِ وَأَعوِلي
لِفَقدِ الَذي لا مِثلُهُ الدَهرُ يوجَدُ
وَما فَقَدَ الماضونَ مِثلَ مُحَمَّدٍ
وَلا مِثلُهُ حَتّى القِيامَةِ يُفقَدُ
🌴وهذا يُذكّرنا بأول الفقد قبل تمامه حين مرض النبي صلى الله عليه وسلم فغاب عنهم أياما ؛ مالذي جرى لهم حينها ؟
أخرج البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه :
أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي ﷺ الذي توفي فيه ، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة ، فكشف النبي ﷺ ستر الحجرة ينظر إلينا ، وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ، ثم تبسم يضحك ، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي ﷺ .
فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف ، وظن أن النبي ﷺ خارج إلى الصلاة ، فأشار إلينا النبي ﷺ أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر فتوفي من يومه .
🌴فإذا كان الصحابة حين افتقدوا النبي لمرضه ثم أطلّ عليهم مبتمساً راضياً كادوا يفتتنون في صلاتهم مع أنها أيام ، فليت شعري ما الذي عاشوه بعد فقدانه بأعوام .
جَنبي يَقيكَ التُربَ لَهفي لَيتَني
غُيِّبتُ قَبلَكَ في بَقيعِ الغَرقَدِ
أَأُقيمُ بَعدَكَ بِالمَدينَةِ بَينَهُم
يا لَهفَ نَفسي لَيتَني لَم أولَدِ
بِأَبي وَأُمّي مَن شَهِدتُ وَفاتَهُ
في يَومِ الاِثنَينِ النَبِيُّ المُهتَدي
فَظَلِلتُ بَعدَ وَفاتِهِ مُتَلَدِّداً
يا لَيتَني أُسقيتُ سَمَّ الأَسوَدِ
وقد ظلّت حرارة الشوق ملتهبة في صدورهم وهيبة حديث مجلجلة في نفوسهم .
🌴فقد أخرج ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون قال :
ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه قال :
فما سمعته يقول بشيء قط :
قال رسول الله ﷺ فلما كان ذات عشية قال :
قال رسول الله ﷺ. قال :
فنكس أي طأطأ رأسه وخفضه فنظرت إليه ، فهو قائم محللة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه ، وانتفخت أوداجه .
قال : أو دون ذلك ، أو فوق ذلك أو قريبا من ذلك ، أو شبيها بذلك .
وهذا الخبر فيه الشوق وفيه الهيبة من رواية الحديث خشية الخطأ .
وإذا كان الشوق قد فطّر أكبادهم ، ونحت من صدورهم ، فإن الله سبحانه قد أكرم بعضهم بعد وفاته بما فيه بلّ الصدى وسكون النفس واستقرار الروح تجاهه ﷺ .
ولا أعلم في هذا الباب نعمة أكرم الله بها صاحباً من أصحابه كما أكرم أنس بن مالك خادم النبي ﷺ .
وذلك أنه قد ثبت في مسند الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أنس أنه قال :
قَلَّ ليلةٌ تأتي عليَّ إلا وأنا أرى فيها خليلي صلى الله عليه وسلم .
وأنس يقول ذلك وتدمع عيناه يا الله !
هنيئاً هنيئاً يا أنس .. !
لا تكاد تمرّ عليه ليلة لا يرى فيها النبي! هنيئا هنيئاً .
أنس هو الذي قال سابقاً :
لمَّا كانَ اليومُ الَّذي دخلَ فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المدينةَ أضاءَ منْها كلُّ شيءٍ .
فلمَّا كانَ اليومُ الَّذي ماتَ فيهِ أظلمَ منْها كلُّ شيءٍ .
وما نفَضنا عنِ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ الأيديَ حتَّى أنْكَرنا قلوبَنا .
كما في الترمذي وصححه .
ثم أكرمه الله برؤية خليله في المنام في جُلّ الليالي .
هذا :
وإن من أعظم ما يُعزي الإنسان وقد تطاولت الأزمان بيننا وبين الحبيب المصطفى ﷺ أمران :
الأول :
تذكُّره لنا وإخباره عنّا ، بأن مِنّا من هو مِن أشد الناس له حُبّاً .
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنه قال :
من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي ، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله .
الثاني :
أن ميراثه محفوظ وسنته باقية وسيرته مدونة بكل لحظاتها ، فالالتفاف حولها والانتهال منها والاتباع لما فيها هو أعظم خير يمكن تفعيل المحبة النبوية فيه .
وصلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد واجمعنا به في جنتك وعلى حوضك .
فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "الحنين والشوق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم"
Post A Comment: