الأديب / سمير لوبه يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "البدلة الشركسكين"
‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘‘
فِي صباحٍ معتادٍ أسرةُ " لنيادو " تتناولُ فطورَها ، يذيعُ الراديو فشلَ مفاوضاتِ مصرَ مع البنكِ الدولي لتمويلِ مشروعِ السدِ العالي ، تقرأ " بوليني " فِي عيونِ " لنيادو " القلقَ الذي بدا عليه .. الصغيرةُ " لوسيت " تملأها الفرحةُ فاليومُ ستقدمُ أمُها الأوراقَ لتلتحقَ بمدرسةِ " الليسيه " في كامب شيزار ، وفِي المساءِ سيشاهدون فيلم " إزاي أنساك " لفريد الأطرش فِي سينما " راديو " ، ويتناولون عشاءهم فِي مطعمِ " على كيفك " ، يصلُ لنيادو لدكانِه فِي حَي العطارين مرتديًا البدلةَ الشركسكين البيضاءَ ، يرتبُ الأسطواناتِ ، يديرُ أسطوانةَ " قصة حبي " ينسابُ من بوقِ الجرامفون صوتُ أم كلثوم
• ذكريات ..
• كيف أنساها وسمعي لم يزل يذكر دمعي
• كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي
• إنها قصة حبي
تفتَّرُ شفتاه عن ابتسامةٍ يغلفُها الشجنُ ، وفِي العصرِ يأتيه صديقاه الحاجُ " أحمد أبو كريشة " تاجرُ الأنتيكاتِ ، و" جيد عبد السيد " الصائغُ ، يرتشفون القهوةَ يفصحُ لهم عن مدى استيائه من فشلِ مفاوضاتِ البنكِ الدولي
- أنا مصري يهودي يا حاجُ أحمد .. لست صهيونيًا يا جيدُ ، لا أعرفُ لي وطنًا غيرَ مصرَ
يعلنُ الرئيسُ " جمال عبد الناصر " تأميمَ الشركةِ العالميةِ لقناةِ السويس شركةً مساهمةً مصريةً ، يسعدُ " لنيادو " أيَّما سعادةً كَونَه مصريًا ، تمرُّ الشهورُ الساخنةُ ، تزدادُ وتيرةُ التوترُ يسيطرُ علَى لنيادو القلقُ ، عدمُ الأمانِ يحملُ لجسدِه القشعريرةَ ، فيرى ما خلفَ مرايا الواقعِ ، تحملًه هواجسُه إلي واقعٍ يشوبُ المشهدَ ضبابيةً قاتمةً ، يخيمُ عليه الخوفُ مع اجتياحِ الصهاينةِ حدودَ سيناءَ ، تندلعُ الحربُ تغزو فرنسا وبريطانيا بور سعيد ، يبيتُ أملَ البقاءِ فِي مصرَ عقيمًا ، يأتي أحدُ الأصباحِ المطيرةِ ليجدَ دكانَه وقد التهمته النيرانُ ، تُجهَضُ الأحلامُ ، يَحتضرُ الأملُ ، يعودُ من مصلحةِ الجوازاتِ والجنسيةِ ينوءُ ظهرُه بثقَلِ شعورِ الاغترابِ ، مع " بوليني " و " لوسيت " :
- لم يعدْ لنا بقاءٌ في مصرَ ..
في المساءِ تخرجُ الأسرةُ من سينما " ريو " بعدَ مشاهدةِ فيلم " دليله " لعبد الحليم حافظ وشادية ، يتناولون العشاءَ في مطعمِ " على كيفك " ، يقضون ليلتَهم الأخيرةَ على كورنيشِ الإسكندريةِ حتى نامت الأمواجُ على صدرِ شواطئها ، تعيشُ أسرةُ " لنيادو " الساعاتِ الأخيرةَ مع بكاءِ نجومِ ليلِهم التعسِ ، صباحًا تصافحُ دموعُ " بوليني " جاراتِها ، و" لوسيت " غارقةُ فِي حزنِها الدفينِ ؛ فلن تلعبَ مع رفيقاتِها بعدَ الآنَ ، ولن تذهبَ لمدرسةِ " الليسيه " ، في ميناءِ الإسكندريةِ وعلى سطحِ السفينةِ المتجهةِ إلى " أمريكا " يعوي صفيرُ السفينةِ معلنًا التحركَ ، تكفكفُ " بوليني " دموعَها ، تحتضنُ صغيرتَها " لوسيت " ، و" لنيادو " في البدلةِ الشركسكين البيضاء يطلقُ ناظرتيه تحلقان فِي سماءِ الإسكندريةِ تُعانقُ بناياتِها ، فما من ترياقٍ يداوي هذا الكَمَّ العرمَ من آلامِ الفراقِ ، تبحرُ السفينةُ ، يسقطُ " لنيادو " ممددًا ترتمي عليه " بوليني " تصرخُ :
- لنيادو
تنكمشُ " لوسيت " في نفسِها تتراجعُ للخلفِ فزعةً باكيةً .
الأديب / سمير لوبه يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "البدلة الشركسكين"
Post A Comment: