الشاعر المغربي / عاطف معاوية يكتب قصيدة تحت عنوان "شاعر يكتب جنازته" 




إني أراه 

يمد يده للتحية ويبتسمُ

له وقت ما ترك فينا الخريف من ليال الفراغ 

وله ما تركتْ فينا الأحلام من أزقة مظلمة

حيث لا نلتقي، ولم نلتقِ

أسبق الموت عشرة دقائق

وأطل على حديقتنا، خضراء باكية 

عصفور الكناري يحضن الصباح 

خائفة هي السماء، لها موعد ناقص 

ولها ذاكرة بيضاء

خائفة هي كقرية هادئة ببحر يأتي كل يوم في سكون الورد

ويفرغُ ذاكرته ولا يموت.


بأسباب بسيطة 

سأموت 

سأدخلُ الموت كاملا 

وأنام، لن أحلم هناك ولا هنا الآن 

سأبكي .. لا 

سأضحك .. لا 

سأصبح أنا، ربما .. لا 

بأسباب بسيطة سأكون ذكرى تذوب، 

ولن يبقى سوى اسمي كاملا 

وعمري الواقف في حديقتنا في صورتي المعلقة على حائط الكلام،

وجسمي المثقل بالمفردات 

تُنَصَّبُ له شجرة قصيرة في سكون المقبرة.


في الجنازة 

سيقول خالي 

لا تخدشُ وجهه الحالم في الموت، في القصيدة 

ولن يبكي، سيحمل طفولتي، سيمسك بيدي المنكسرة 

ولن يبكي.


أخي 

سيمزق من وقته صوتي البارد وذكرى الهواء ولن يبكي 

سيحفظ أمكنتي

وسيكتب أمنياتي بكلمة الغناء.


جدتي 

ستبكي بشمس قلبها 

وَستعلو كل ليلة في صورتي، ليضيء صوتي 

ستقول لكم كان يومه بحرا كاملاً، جميلاً 

صدقوها فقلبها أبيض ويديها حضن وبلاد 

كلما مرت على قبري ستبكي 

كغيمة الربيع الأولى تمطر شمسا ومساء.


أمي 

بمحاذاة قبري بَنتْ لها سرير الضوء 

من طين النسيج

وقالتْ، كان عصفورا بجناحينِ ناصعين

يحلم بذاكرته الجريحة 

ولد طفلا ومات طفلا 

لم يكبر سوى في قصيدته،

وهل انتهت القصيدة يا ولدي من حنجرتي؛ حنجرتك 

تعلمتُ القراءة لأفردَ عتمتي قبل الموت، لكنك سبقتني حيا إلى السماء.


أبي 

يتحسس عنق يومه ويرى في المرآة صوتي 

يمسك بيدي كما كنت طفلا خفيفا 

يمسك قصائدي ويفسح لغرفتي مكانا في نافذة ترى البحر وقبري.

صوتك العالي يا أبي أسمعه في وحدتي 

هل نسيتَ قُوتَ العصافير وطريق العودة للبحر

انظر فوقك ترى وجهي يا أبي، 

هذه جنازتي تشرب قهوتها على عظامي 

وتشرب حليب أحلامي.


لا وقت للموت

أنا لا أموت، والتربة لم تبلل سريري الأخير.


هناك في نسيانها 

وهي تبدأُ مراسيم عزلتها، كتبت جنازتي الأولى 

لأسقط عني أوراق الموت الصفراء

في خريف تأخر في عناقي 

لكنني لم أمتْ

حين شهدتُ جنازتي .. !!



الشاعر المغربي / عاطف معاوية يكتب قصيدة تحت عنوان "شاعر يكتب جنازته" 


Share To: