الكاتب اليمني / عمر القملي يكتب مقالًا تحت عنوان "عيبُ العيب"
يساور مجتمعنا العيب المقيت و يطفو على سلوكياته الغير منبوذة ، تجذرت كلمة "عيب" في تراب أفراد المجتمع حتى لم تدع في سلوكياتهم و كلماتهم أيَّة عقلانية أو تطرُّق لتفويض الحقيقة و ترك الحجة العمياء ، للعيب و العادات و التقاليد خطوط واضحة يجب أن يميِّزها المجتمع فيما تضره و تنفعه و فيما يجب التشبث به و فيما لا يجب و فيما لا تهويل عليه ، تقلصت كل صغيرة و كبيرة تحت بند "عيب" و تمحورت فيه ، و إن كان هؤلاء الناس لهم ديانة الإسلام واضحة و مفصلة لجميع حياتهم إلا أن "العيب" عصف الأذهان إليه فيقال للحرام "عيب" ، و إن لم يحرمها الإسلام فهي "عيب" أيضًا !! حتى و إن أتينا إلى زمرة الأخلاق و القيم التي يحملها الإنسان فإن غالبية الأمور المنظور بـ"العيب" فيها لا تخل بأخلاق و قيم إنسٍ أو جان ، و إنما تضييقات إبتدعها المجتمع على نفسه ما أنزل الله بها مِن سلطان على أحد.
مصطلح "العيب" بالتأكيد لا يحمل كل السلبية ، بل له دور كبير في الحفاظ على كرامات المجتمع و تثبيت أخلاق و قيم و مبادئ و ترميم عادات و تقاليد ، لكن الذي لا يُبقيه على إيجابياته عدم إتزان أحكام المجتمع و جهله في التمييز بين العائب حقًا و غير العائب ، مما ينتج عنه عكس ما أراده المجتمع لـ نفْسه ؛ بسبب رؤية الفرد إلى إنحصاره الشديد الذي يشلِّل أموره في الحياة و السعي إليها ، مما قد يجعل البعض يخرج مِن سلبيات "عيب" حتى يتجاوز الخروج عن إيجابياتها الكثيرة ، خروج أبدي دون توازن و تمييز..
و إن بقي فرد كما يتحكم به هذا المجتمع فلا مناص لحرية العمل و أنواعه من التمييز العنصري تفصلها "عيب" في أطراف حياة الشخص.. و هكذا تتمحور الدائرة على نقطة ما يعيب كلمة "عيب" في مجتمعنا و إدراك ما عيب "العيب".
المجتمع بذاته يلحظ ثِقل نتائج "عيب" و كثافتها الزائدة المقيِّدة لمساراته و سلوكياته التي يجب أن يتيحها لنفسه ، لكن اختلطت فيه ثلاثة أشياء كإختلاط الحابل بالنابل عكرت مسيرته إلى نبذ المعوقات على أموره المتاحة ، و هؤلاء هن الجهل ، و توارث خريطة "عيب" فأنت كذا و فلان كذا و هذا لا يصلح إلا هكذا.. بعيدًا عن ما صلاح الشخص أو العمل ، و الثالثة الخوف من أثير إذاعة بعضهم على بعض و التنابز بها رغم أنه لا شيء فيه يستحق المقت أو النقد ، فإذا خلَت إحدى الثلاث عن المجتمع كالجهل تبقى فيه صفة التفريق على الأشخاص و الأعمال تمسكًا بصفوة أجداده دون مراعاة الحكم على التقوى أو تناسب الكلام و طبيعية السلوك ، ثم صِفة تحجيم كلام الناس على أفعال و كلمات يعلم أنها سليمة ، و هكذا تتناوب عليه المؤثرات أو تشتبك به في آن واحد فيجد نفسه ملزَمًا بـ "عيب" آبائه الأولين.
و عن المرأة هنا درع تتلقى كل ضربة صغيرة و كبيرة مِن "عيبُ العيب" أكثر مِن غيرها ، لم يجاز لها أن تكون ذات يوم سيف تضرب الحياة بحريةٍ في حقها الغير معيوب أساسًا ، لكن ظلَّت معيوبة حتى في إسمها ، لا يمكنك أن تفشي سر إسمها الذي سيقلب موازين العالَم لو عرفه آخرون! و على الطفل أن يقول إسم "حوى" دون الإفصاح بإسم أمه عند مَن يسأله و لا يجب أن يتنازل عنه حتى لو أعطوه مالًا و شوكلاته و دمية كما يَروِيهُ مجتمعنا في قاموس "عيب"!!
إن سألته أين تذهب يتوارى مِن إجابة أنه زائر لأخته بحُجة "عيب" بينما هو يعمل حسنًا! .
لو حكمنا على المجتمع هنا بالعقائدية فهذا المجتمع هو نفسه الذي سمع أو قرأ جميع أسماء نساء النبي و نساء صحابته وغيرهم على مر التاريخ حتى مشاركتهن في أعمالهم السياسية و الحروب و الفنون و الوظائف ، و هو الذي عرف جواز أصناف الناس الخوض في شتى المهن و الحِرف الحلال فلا يعيب المرء غير أخلاقه ، و لديه التفاصيل الدينية في صغائر الأمور ، لكن تجده قد حاك لنفسه عيوب قيدَت مواقفه و أساليبه و بعض تعبيراته السليمة و تقونن عليها حتى طغَت على السريان الكامل للمعرفة الدينية و العلمية و الأخلاقية فيه و زادت على حدهن ، فعاب عليه ما عابه على نفسه مِن فلاسف الحياة ، و يبقى " عيب" إيجابيًا لا خطأ فيه ما تركز منه على عظائم الحياة الإنسانية و أخلاقها لو أن المجتمع يميِّز ذلك.
الكاتب اليمني / عمر القملي يكتب مقالًا تحت عنوان "عيبُ العيب"
Post A Comment: