الكاتبة المصرية / رانية لبيب تكتب مقالًا تحت عنوان "مشارق الحياة" 




دائما ما أجد وكلي يقين أن نوافذ الحياة هي في العطاء الحقيقي، ‏إنّ العطاء الحقيقي الذي يشترك فيه الأغنياء والفقراء على حدٍ سواء هو أوّلًا، وقبل أيّ شيء :كفّ الأذى عن الآخرين ولو كان همسًا، فلو كفّ المرء أذيّته لأخيه لكانت الحياة أكثر نضجًا وازدهارًا وتقدّمًا في المنحى الإنسانيّ والروحيّ والمجتمعيّ...ومع مرور الوقت ستدرك أنّ التضحية أحيانًا مع بعض الأشخاص قد تكون مثل الأرض المحروقة التي تأكل كل ما فيها وما عليها من دون أن تشعر.. والخسارة بعدها كبيرة، ممزوجة بالخيبة والندم. ‏غير أن يد الحصّادين الغدّارة لا تمنع الأرض أن تزهر من جديد وأن تنبت أكرم الزرع وأجمل الثمر، وقد يذهب التفكير بالبعض إلى الظنّ أن العطاء هو أمر ماديّ محض،وأنّه مقترن بالمال والمساعدة والإعانة في الأمور العمليّة الماديّة،ولكنّ جوهر العطاء ومفهومه الأساس يكمن في مكان آخر كلّيًّا. ‏إنّ بشاشة الوجه هي أعظم مهرٍ تُمتلك عبره القلوب..

أمّا دماثة الأخلاق فهي السفير الرسميّ والوحيد للأفئدة، وبعدها يأتي التجاوز الذي هو غيمةٌ تظلّل الخواطر.‏وكذلك للعطاء مرتبة أخرى تتجلّى في حسن انتقاء الكلمات،وفي ذلك مهارةٌ لا يمتلكها الجميع، غير أنها ضرورية جدًا لتقوم الحياة  على الحب والخير فقلوب الناس من زجاج والكلمات الجارحة حجارة والألسنة السليطة نبال تصيب وتدمي.. "وهل يُكبّ الناس على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم"!

‏لذا، فإنّ اللسان بين طيٍّ وبسط، هو جوهر العطاء الإنسانيّ، ففي صمته وتجاوزه عند الغضب بركة، وفي بسطه وطيب كلامه صدقة تداوي القلوب وتهدئ النفوس وتبرّد الصدور، وأنّ الرّاحة في السّلامة، وترك ما لا يعنينا وفي تهذيب اللسان على ذكر الله ليل نهار، وتسخيره للعطاء الذي لا حدّ له وأن لا نفاد للكلمةِ الطيّبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء!

تلك هي نوافذ العطاء التي تطل على مشارق الحياة.





Share To: